السينما الإيرانية نهلت من قصص الأنبياء الكثير، وبعيداً عن جدل حرمة ظهور الأنبياء من عدمه، أجد أنها بمثابة سفير الرؤية الاسلامية لهذا النوع من الإبداع، فالاعتماد الأول والأخير فى كتابة السيناريو يكون للنص القرآنى، بل إن الحوار يعتمد فى صياغة الجمل بين الممثلين على النهج القرآنى لفظاً ومضموناً، وعلى هذا المنوال جاء فيلم «إبراهيم خليل الله» إنتاج القناة الثانية الإيرانية، فالبناء الدرامى للفيلم مأخوذ مما تضمنته آيات الذكر الحكيم مستعرضاً تفاصيل القصة بكل ما فيها، وأحياناً أهمل بعض المفردات كقدوم سيدنا إبراهيم إلى مصر، وكيف أهديت السيدة هاجر إلى السيدة سارة رضى الله عنهما. وفيلم «إبراهيم خليل الله» من إخراج محمد رضا ورزاى بطولة محمد صدقى وبهراز فرهانى وجنكيز وثايقى وفخر الدين صديق شريف وليلى بلوكات، بدأ الفيلم بظهور إبليس على الشاشة فى لقطة مقربة متوعداً بنى آدم طبقاً للنص القرآنى قال تعالى: «فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83) قال فالحق والحق أقول (84) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين (85) قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (86) إن هو إلا ذكر للعالمين (87) ولتعلمن نبأه بعد حين (88)»، تبع ذلك عرض وثائقى لمدينة بابل سنة 400 قبل الميلاد، حيث يقف رجل يندب حظه لأن رجل إلهه قد كسرت أثناء تنظيفه، يظهر فى الكادر النمرود محمولاً فى عربته على الأعناق، يتبع ذلك مشهد رجل يغلق النافذة بعنف ناهراً من كان يتابع النمرود منها ونعرف أنه «أيبوس» نحات الأصنام الذى يفضل عليه النمرود نحاتاً آخر، هو «آزر» عم إبراهيم كما جاء فى الفيلم رغم أن بعض الروايات الإسلامية تؤكد أن (آزر هو اسم والد نبي الله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كما سماه الله تعالى في كتابه، وفى الفيلم ينسبون إبراهيم إلى تارح). وعلى كل حال فأبوإبراهيم مات كافراً سواء كان اسمه آزر أو غيره، كما هو مبين في آيات أخرى، كقوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه)، ويظهر الفيلم سيدنا إبراهيم الذى يتم القبض عليه لأنه رفض السجود للنمرود عند مروره، ولقد كان «رضا ورزاى» موفقاً فى مشهد سجود الناس حتى تعتقد أنهم موتى مكفنون فى الأكفان، بينما يقف إبراهيم شامخاً بينهم. هناك مشهد ل «آزر» بينما ينحت الاصنام فإذا صوت امرأة تعاتبه على إجبار ابنها لوط على نحت الأصنام.. السيناريو يركز على أن النمرود مرتبط بعلاقة صداقة مع إبليس, وأنه مقتنع أن عرشه مبنى من جهل البابلين, وطالما ظلوا جهلاء امتد زمن عرشه، وهو ما يطلبه من إبليس ليعاونه فيه، إلى جانب أن السيناريو أشار إلى علاقة آثمة بين زوجة النمرود وأحد رجال بلاطه، بينما يشير إلى بداية قصة حب بين إبراهيم وابنة عمه سارة، وفى نفس الوقت ينقلنا المخرج إلى الفضاء الرحب بين حقول القمح، حيث يتعبد سيدنا إبراهيم مناجياً ربه، ثم نجده فى حوار مع عبدة الكواكب، بينما يشتاط إبليس غيظاً حيث يعلن إبراهيم أنه يعبد أجمل الكواكب وهو الزهرة، ثم ما يلبث أن يسخر من هذا عند ظهور القمر ويدخل فى حوار معتمداً على آيات الذكر الحكيم فى سورة الأنعام قال الله تعالى: «وكذلك نُري إبراهيمَ مَلكُوتَ السَّمواتِ والأَرضِ وَلِيكونَ من المُوقنين (75) فلمَّا جَنَّ عليه اللَّيلُ رأى كوكباً قال هذا ربِّي فلمَّا أَفَلَ قال لا أُحبُّ الآفِلِين (76) فلمَّا رأى القمرَ بازِغاً قال هذا ربِّي فلمَّا أَفَلَ قال لَئِن لَمْ يَهدِنِي ربِّي لأَكوننَّ من القومِ الضَّالِّين (77) فلمَّا رأى الشَّمس بازِغةً قال هذا ربِّي هذا أكبرُ فلمَّا أَفَلَت قال يا قومِ إنِّي بريءٌ مِمَّا تُشركون (78) إنِّي وجَّهت وجهيَ للَّذي فطَرَ السَّمواتِ والأَرضَ حنيفاً وما أنا من المشركين (79)». ومن المشاهد الرائعة عندما أقدم رجل على ذبح ابنه لأنه أثناء لعبه تسبب فى كسر إلهه، ثم وقف سائلاً نفسه: ترى أيهما ربى التمثال أم ابنى الذى كسر إلهى؟.. ويجىء الوحى عن طريق سيدنا جبريل قائلاً: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» (البقرة 124).. ويبنى الحوار بعد ذلك بين سيدنا إبراهيم وأهله على الآيات الآتية: «الذي خلقني فهو يهدين. والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ثم يحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين».. ويستعرض الفيلم اكتشاف النمرود خيانة زوجته مع وزير بلاطه انتقاماً لأهلها منه فيقتلها، ولكن يعفو عن وزيره لاحتياجه له.. وكأن الغاية تبرر الوسيلة مبدأ معروف من قديم الأزل. يسبق المخرج خروج سيدنا إبراهيم لتحطيم الأصنام بالآية: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، يعقبها جدال بينه وبين عشيرته حول من حطم الأصنام، وجاء مشهد المناظرة بين إبراهيم الخليل ومن أراد أن ينازع الله العظيم الجليل في العظمة ورداء الكبرياء فادعى الربوبية، وقيل هذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، وكان أحد ملوك الدنيا، وكان طاغية وظالماً، وآثر الحياة الدنيا، ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، أمر بأن يحرق إبراهيم فى النار. وركز المخرج على أن يكون إبليس جالساً على شماله مصدراً له الأوامر، وكان السيناريست موفقاً عندما خرجت سارة من بين الجموع لتعلن إيمانها برب إبراهيم وأنها تطلب إحراقها معه، واعتمد السيناريست على آيات الذكر الحكيم لوصف ما حدث فى هذا المشهد, وعندما حاجّ إبراهيم الخليل في ذلك، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة جهله، وقلة عقله.. فلما قال إبراهيم: (ربي الذي يحيي ويميت) (قال: أنا أحيي وأميت).. وقام النمرود بإحضار رجلين وقد وجب قتلهما لأمر ما، وأمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر، فذكر إبراهيم دليلاً آخر بين به وجود الصانع وبطلان ما ادّعاه النمرود وانقطاعه جهرة: قَال إبراهيم: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ).. ولهذا قال: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، طلب النمرود من إبراهيم الخروج من بابل وقرر الصعود إلى أعلى برج بابل الذى أنشأه ليحارب رب إبراهيم، وعند وصوله إلى أعلى برج بابل قرر التخلص من وزيره الذى خانه مع زوجته، لأنه أصبح لا يحتاج إليها.. ثم وجه السهم إلى السماء فدخلت ذبابة إلى منخره فظل يصرخ، مستنجداً بالجمع ليخلصوه منها، وانتهى وجود النمرود بعد ذلك فى الفيلم الذى ركز على مسيرة إبراهيم ولوط إلى أورشليم. من المعروف أن بعض الروايات تشير إلى طلب إبراهيم منه أن اجمع جموعك وأجمع جموعي، فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً من البعوض، بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاماً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره زمنا طويلاً، عذبه الله تعالى بها في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.. ويقال إن تلك الذبابة ظلت فى رأسه مدة 400 عام وكان يطلب من الناس ضربه بالنعال حتى يرتاح! الفيلم بعد ذلك قفز على العديد من الأحداث كدخول إبراهيم مصر وحكاية سيدنا إبراهيم مع رسل الله الذين بشروه بميلاد إسحاق، وعلاقة لوط بقوم سادوم، ثم جاء زواجه من السيدة هاجر وإنجابها إسماعيل، وما تبعه من حوار مع السيدة سارة يظهر فيه غيرتها من هاجر، ورفض خليل الله الاذعان لرغبتها فى رحيل هاجر وإسماعيل، ولكنه ينفذ هذا عندما يؤمر به، فيذهب بهما إلى الحجاز، فيستخدم السيناريست آيات الذكر الحكيم على لسان إبراهيم: «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون» (37).. ويتجاوز السيناريو الأحداث إلى رؤية إبراهيم لذبح ابنه، ويركز على استنكاره فى البداية للطلب ثم إذعانه للطلب ورحيله إلى الحجاز لنجد أن سيدنا إسماعيل سار رجلاً، ثم تستعرض هاجر قصتها وعدوها بين الصفا والمروة مركزاً على الآية الكريمة.. ويصعد إبراهيم إلى الجبل مع ابنه ويخبره برؤيا ذبحه، وكالمعتاد اعتمد السيناريست على الآيات الكريمة فى الحوار، وفى نفس الوقت ظل إبليس يظهر له موسوساً لإبراهيم بعصيان الأمر الإلهى، فكان إبراهيم يرجمه بالحجارة، ثم جاء مشهد الفداء العظيم ليكون مشهد النهاية بينما يعلن إبليس عن بحثه عن أرض أخرى يعبد بها!