انتظرت حتي يأتي الأول من مارس لكي أكتب هذا المقال. فأمس انتهي شهر فبراير وانتهت معه فترة التحذير المخيف الذي أطلقه في وجوهنا أدعياء للمعرفة وإعلاميون وصحفيون يكتبون قبل أن يقرأوا وإذا قرأوا فإنهم لا يتفكرون.حذرنا كل هؤلاء من وباء انفلونزا الخنازير الذي سيصل إلي ذروة خطورته في شهري يناير وفبراير حينما تنخفض درجات الحرارة ويصبح الفيروس أكثر شراسة وأسرع انتشارا. انتهي شهر فبراير ولم ينتشر الوباء ولم يكلف أحد من هؤلاء نفسه عناء الشرح أو الاعتذار. لن أمل من تكرار حكاية انفلونزا الخنازير التي أصابت المجتمع كله بالرعب فتسببت في ذبح الخنازير وقطع مصدر رزق آلاف من الفقراء يتعيشون من جمع القمامة وتربية الخناير, وإضافة توتر لا لزوم له لعلاقات مسلمي مصر بأقباطها. ذبح الخنازير ترتب عليه إرباك نظامنا البدائي لجمع القمامة بعد أن لم يعد هناك خنازير تتغذي علي فضلاتنا, فامتلأت شوارعنا بأكوام القمامة. إثارة الرعب من انفلونزا الخنازير بثت الفزع في قلوب آباء وأمهات ملهوفين علي صحة وحياة أبنائهم, فقرروا إبقاءهم في البيوت بعيدا عن المدارس وزحامها, حتي تم إفساد فصل دراسي بأكمله. سمعة المحروسة وصورتها بين الأمم اهتزت بعد أن أصبحنا الأمة الوحيدة في العالم التي ذبحت الخنازير وفرضت رقابة طبية سخيفة وغير فعالة علي القادمين من خارج البلاد وألزمت طلابها بالبقاء في البيوت. المسئولية في هذا الفزع تقع علي عاتق وسائل إعلام تصطنع الأهمية والجدية عبر إثارة الفزع واليأس بين الناس. يقع في يد الصحفي من هذه النوعية خمسة أخبار أو تقارير عن موضوع معين فيختار أكثرها تشاؤما وسوءا لترويجه بين الناس. كانت هناك تقديرات متعددة لمدي خطورة انفلونزا الخنازير, فاختار الإعلاميون لدينا التقديرات التي تحدثت عن ربع سكان مصر الذين سيفقدون حياتهم بسبب الوفاء, وراحوا يسألون الحكومة عن خططها لتوفير مقابر جماعية لملايين الضحايا. نفس الإعلاميين يفعلون الشيء نفسه عندما يدور الحديث عن ارتفاع مستوي سطح البحر بسبب التغيرات المناخية, فيختارون من بين التقديرات المختلفة تلك التي تتحدث عن نصف دلتا النيل المعرضة للغرق. اختر أي موضوع وستجد الإعلاميين في بلدنا يختارون أسوأ التقديرات والاحتمالات فيتعاملون معها وكأنها الحقيقة الوحيدة المؤكدة. المجتمع المفزوع لا يمكنه التفكير بروية وعقلانية, لكنه يفكر بعشوائية وبدائية المدفوع بغريزة البقاء. المؤكد أن المفزوعين لا يحققون تقدما ولكنهم يصبحون صيدا سهلا للتهييج ولمثيري الفتنة ولدينا وفرة منهم.