دخلت الفتنة الطائفية في المنيا منعطفا أكثر خطورة, عقب مهاجمة مساكن الأقباط في إحدي القري, واشعال النار فيها, واستخدام أسلحة وقنابل مولوتوف, إثر شائعة عن علاقة عاطفية بين شاب مسيحي وامرأة مسلمة. غاب القانون وتقاعس رجال الشرطة, فتحولت قرية الكرما بمركز أبو قرقاص إلي غابة, من الصعب التطرق إلي تفاصيل الانتهاكات البشعة التي تعرض لها المسيحيون في القرية, خاصة والدة الشاب التي تناولته الشائعة, والبالغة من العمر نحو سبعين عاما. كان كاهن القرية قد أبلغ الشرطة عن المخاطر التي يتعرض لها الأقباط نتيجة انتشار مثل هذه الشائعة, وما يتردد عن أعمال شحن طائفية, تستغل الشائعة لإشعال القرية, لكن ذلك لم يمنع الكارثة الإنسانية. إن خلط قضايا الشرف بالفتنة الطائفية هي أكثر القنابل خطورة في أيدي مثيري الفتن, وهي ليست الأولي من نوعها, وجري حل معظمها خارج القانون, وعادة ما كان يتم تهجير المسيحيين عند اندلاع مثل هذه الأحداث, وكان من نتيجة هذه المحاكم العرفية التي تجري تحت سمع وبصر أجهزة الدولة أن اتسع نطاق هذه الأحداث, باستخدام ذات الخليط شديد الاشتعال, والذي يثير جموع الصبية والشباب للدفاع عن الشرف والدين معا, بينما ينجو الجناة الذين أثاروا وهيجوا وافتعلوا الشائعات, وتسلحوا بالبنادق والقنابل والأسلحة البيضاء وقادوا جموع الهائجين في عمليات همجية, تندي الانسانية من مدي وحشيتها. وفي المقابل فإن لدي المسيحيين ملفات عن فتيات مسيحيات قالوا انهن مختطفات, وقدموا بلاغات للشرطة والكثير من الأجهزة, ولم تحل حتي الآن, وهم يرون أنها قضايا تمس الشرف والدين معا, لكنها تلقي معاملة مختلفة تماما من الأجهزة المعنية, وقضية كاميليا نموذج لهذه المعاملة المزدوجة, فرغم أنها كانت متزوجة من مسيحي, فقد اعتبرها المتطرفون مسلمة مختطفة, وان عودتها لزوجها المسيحي مساس بشرف مسلمة وبالتالي بالدين الإسلامي. هذه الازدواجية في المعايير وغياب القانون يفتح أبواب الفتنة التي تؤججها عناصر متطرفة تريد إشعال مصر بأبسط الأساليب, من خلال تأجيج المشاعر العنصرية البغيضة, واستغلال وقائع عادية, لنسج شائعات وتضخيمها, ثم ارتكاب جرائم العقاب الجماعي, وتتفجر الأحداث وتتسع, ويمكن أن نشهد تدخل جهات دولية, تحت دعاوي حماية الأقلية المسيحية من الاضطهاد. هذا ما يجري التخطيط له,وتحقق للمتطرفين النجاح في عدة جولات من الإسكندرية الي بني سويف والمنيا والأقصر وحتي في المطرية,ورغم تكرار هذه الحوادث يجري التغطية عليها, وكأن الحل في عدم الكشف عن هذه الأحداث,امتدادا لنظرية وضع القمامة تحت السجادة. لا أيها السادة, ليس بالسجادة يمكن إخفاء القمامة,فالرائحة سوف تظهر وتزكم الأنوف,والبكتريا سوف تتكاثر وتنشر الأمراض,وسوف نعتاد هذه الطريقة ونتأخر في العلاج حتي يستفحل المرض. من المؤسف أن يعتقد كثير من المسئولين أن الكشف عن هذه الوقائع هو المشكلة,وأن جلسات الصلح الفاشلة هي الحل الوحيد,رغم أنها أصبحت تسيء لمن يشارك فيها,بعد أن فشلت مرارا في كبح هذه الأحداث, بل كانت السجادة التي تخفي القمامة تحتها. اكشفوا عن الجرح الملوث حتي يمكن تطهيره بالبحث الدقيق في مسبباته, وتنفيذ القانون بكل حيدة وصرامة,والامساك بالجناة حتي لا يكرروا فعلتهم,فالوقائع يجري بثها عبر الفيديوهات وأدوات التواصل الاجتماعي, وتبثها بعض الفضائيات, واغماض العيون ليس حلا, وتقاعس أجهزة الدولة سينال من مصداقيتها, بل قد يجعلها طرفا ومتهما بتأجيج مثل هذه الفتن, والتأخر في العلاج سوف يكسر كل أقفال الصمت, لكن سيكون أوان الاصلاح والاحتواء قد مضي, ونجدنا أمام دوامة من العنف المقيت, الذي يقوض بنيان الدولة.