العمل المتخصص المحبوب الذي تجيده هو مهنتك التي تغار عليها ولا تقبل من احد ان يسيء لها فالفلاح يعشق الفلاحة ويفرح بتألق الزرع ويغضب إذا حاول احدهم ان يتدخل في عمله دون دراية ويعتبره اعتدي علي مهنته.. وكذا الصانع والمهندس والطبيب والصحفي والمدرس وغيرهم.. وقد اثبتت احدث الدراسات العلمية الفرنسية في علم الاجتماع ان هناك علاقة ارتباط تزداد طرديا ما بين تقدم الشعوب ونضج احساس العاملين فيها بالضمير المهني.. فكلما راعي المواطن ضميره المهني والتزم بمعاييره في الاجادة فان المجتمع ينضبط ويتطور ويحقق السعادة لكل من فيه. والضمير الحي للإنسان هو الصوت الداخلي الذي يولد معك, يؤنبك ان اخطأت ويوجهك اذا تهت ويباركك ان اصبت, فالضمير هو احد اسرار الفطرة التي فطرنا الله عليها وهو ناتج عملي من الاخلاق الحميدة والعادات الإنسانية الراقية. اما الضمير المهني فهو إضافة مهنية الي الضمير الحي للإنسان, وهو ما يدفع بنا الي اتقان العمل والتفاني في الانتاج والتطوير للسلعة او الخدمة مع الحفاظ علي المجتمع, وتتفق كل شعوب الارض علي ان العمل عبادة روحية كما هو سعادة مادية نتيجة حصد المال من وراء إنتاجك وإحساسك بالرضي عن عملك المتقن. والضمير المهني مثل الكائن الحي يولد ويكبر وينمو ويتألق عند الإنسان من خلال الاتقان وحب العمل, ويتكون الضمير المهني من شقين ممتزجين هما الشق المادي والشق المعنوي.. ويتمثل الشق المادي في الاتقان الذي ينتج عن العلم بطبيعة العمل والتدريب عليه وفهم مستجداته والاستفادة منها ويتجسد الضمير المهني في منظومة القوانين المهنية المنظمة للمهنة, سواء كانت قوانين وضعتها الدولة تعبيرا عن الصالح العام او قوانين ضبط ذاتي وضعتها الجماعة المهنية ذاتها لنفسها عبر المؤسسات المهنية او النقابة الخاصة بأعضاء المهنة. ولذا فان الضمير المهني ليس مجرد شعارات ولا مبادئ اخلاقية عامة قابلة للتنفيذ او عدمه ارتباطا بأخلاق المهني ذاته وانما الضمير المهني هو فرض لازم وجازم علي كل من يمارس مهنة بعينها ولا يخضع للمزاجية او الحالة الشخصية لم يمتهن هذه المهنة. والشق المعنوي للضمير المهني يتمثل في تحول العمل ذاته الي حالة حب واحترام يكتسبها الإنسان من الرضي بنتائج العمل والتفوق في مجال التخصص, والحرص علي الالتزام بالوقت والعمل بكل ارادة, مع مراقبة الله عز وجل والخوف منه لانه سيري عملنا ويقيمه فاما حاز رضا الخالق سبحانه فيبارك فيه او يكون الضمير المهني غائبا او ضعيفا فيخرج العمل لا يرضي العبد ولا الرب عنه فتحدث المشاكل والعقاب لفاقدي الضمير المهني في الدنيا والآخرة, فهل نري في مجتمعنا هؤلاء من أصحاب الضمير المهني؟ ام ان سبب تخلفنا ناتج عن فقدان الضمير المهني؟ ان ما نراه من تعثر في الاقتصاد وبلطجة وتكاسل واهمال وتخريب من العاملين في كل القطاعات وبخاصة في الكهرباء والصحة والزراعة والصناعة والمواصلات والمرافق الحكومية الخدمية يؤكد أن الضمير المهني غائب.. وعندما يؤكد الجهاز المركزي للاحصاء ان الموظف والعامل في القطاع الحكومي لا يزيد عدد ساعات عمله يوميا عن ساعة واحدة من سبع ساعات يقضيها في العمل فإننا بالتأكيد أمام ضمائر ميتة.. وحين نري الإعلاميين الذين لا يفهمون معني الضمير المهني يروجون الاكاذيب والكراهية ولا يساعدون المجتمع علي التنمية وعلاج السلبيات والظواهر الاجتماعية, فيجب ان ننصحهم ونعاقبهم وفق منظومة الضبط الذاتي للنقابة حتي يعودوا الي الصواب ونحافظ علي المهنة ذاتها عبر الالتزام بالضمير المهني.. والله غالب.