واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين( البقرة:45) الاستعانة: طلب المعونة, والصبر حبس النفس علي ما تكره, يقال: صبر علي الطاعة, أي حبس نفسه عليها متحملا ما يلاقيه في أدائها من مشاق, وصبر عن المعصية, أي كف نفسه عما تنزع اليه من أهواء. والمعني: واستعينوا علي ترك ما تحبون من شهوات الدنيا, والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإسلام, والتقيد بتكاليفه بفضيله الصبر التي تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات, وبفريضة الصلاة التي تنهاكم عن الفحشاء والمنكر. قوله تعالي: وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين كبيرة: أي صعبة شاقة, يقال: كبر الشيء إذا شق وثقل, ومنه قوله تعالي: كبر علي المشركين ما تدعوهم اليه, أي ثقل وصعب, والخاشعين من الخشوع وهو في الأصل اللين والسهولة, ومعناه في الآية الكريمة الخضوع والاستكانة لله تعالي, والضمير في إنها للصلاة لعظيم شأنها واستجماعها لضروب من الصبر, والمعني أن الصلاة كبيرة علي كل الناس إلا علي الخاشعين. فالصلاة صعبة إلا علي الخاضعين المخبتين المتطمئنة قلوبهم وجوارحهم لله تعالي, لأنهم موقنون أنها من أهم وسائل الفلاح في الدنيا, والسعادة في الآخرة, ولأنهم يجدون عند أدائها اغتباطا وسرورا يجعل نفوسهم تنشط إليها كلما حل وقتها بهمة وإخلاص. قال الإمام الرازي: فإن قيل: إن كانت ثقيلة علي هؤلاء سهلة علي الخاشعين, فيجب أن يكون ثوابهم أكثر, وثواب الخاشع أقل, وذلك منكر من القول؟ قلنا: ليس المراد أن الذي يلحقهم من التعب أكثر مما يلحق الخاشع, وكيف يكون ذلك, والخاشع يستعمل في الصلاة جوارحه وقلبه, ولا يغفل فيها, وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه بفعل الصلاة أعظم, وإنما المراد بقوله تعالي: وإنها لكبيرة أي ثقيلة علي غير الخشاع, لأنه لا يعتقد في فعلها ثوابا, ولا في تركها عقابا, فيصعب عليه فعلها, فالحاصل أن الملحد لاعتقاده عدم المنفعة في أدائها ثقل عليه فعلها, لان الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل علي الطبع, أما الموحد فلما اعتقد في فعلها أعظم المنافع, وفي تركها أكبر المضار, لم يثقل عليه أداؤها, بل أداها وهو سعيد بهاو ألا تري إلي قول الرسول صلي الله عليه وسلم: جعلت قرة عيني في الصلاة, وصفها بذلك لأنها كانت لا تثقل عليه.