الخميس الماضي ألتقي مجموعة من ممثلي المؤسسات الثقافية لمناقشة مشروع لإعادة هيكلة وزارة الثقافة في مصر وتحويلها إلي مؤسسات عامة وشركات مساهمة ووفقا لمشاركين في الاجتماع تنقسم الخطة المقترحة إلي مرحلتين, مدة كل منهما عام, ينتهي العام الأول( خلال فترة الحكومة الانتقالية) بتطهير الوزارة من الفساد وتخفيض عدد العاملين بها وإعادة هيكلة الأقسام الخمسة الرئيسية بها, ثم ينتهي العام الثاني وللخطة بتحويل وزارة الثقافة إلي خمس مؤسسات عامة مستقلة, يشرف عليها فنيا وإداريا مجالس أمناء من الشخصيات العامة التي تعمل بشكل تطوعي ودون مقابل ويتم تجديد ثلث عضوية هذه المجالس ذاتيا كل3 سنوات وفق معايير معلنة, ويشرف عليها ماليا أجهزة الرقابة المالية الحكومية. وبالاضافة إلي هذه المؤسسات العامة التي لا تهدف إلي الربح ولا تعد ملكا خاصا لأي فرد أو مجموعة أفراد, وتستقل بقراراتها الفنية والإدارية عن السلطة السياسية, يتم تحويل القطاعات الانتاجية في وزارة الثقافة إلي شركات مساهمة تقسم تقسم أسهمها بين العاملين فيها والدولة والمستثمرين. وستكون المؤسسات مقسمة كالأتي المجلس الأعلي للثقافة, المجلس الأعلي للآثار, دار الكتب والوثائق القومية, أكاديمية الفنون, هيئة قصور الثقافة. وحسب المشاركين فإن هذا التصور يستمد شرعيته وشجاعته من ثورة25 يناير التي أتاحت فرصة نادرة لفحص ومراجعة وتغيير كل الأطر السياسية التي تحكمت في حياتنا العامة خلال الثلاثين عاما السابقة. ويأتي هذا التصور المقترح استجابة لمطالبة عدد كبير من المثقفين والفنانين المستقلين إما بإلغاء وزارة الثقافة, أو بإعادة النظر في هيكلة الوزارة ودورها بحيث لا تتخلي الدولة عن دور أساسي في دعم الثقافة والوصول بالخدمات الثقافية إلي أوسع شرائح المجتمع. ويشدد البيان علي أن هذا التصور مبدئي جدا ويحتاج إلي تدقيق ومراجعة من قبل متخصصين في التخطيط والإدارة والاقتصاد والمالية, وتحتاج الخطة قبل تنفيذها إلي حملة توعية لشرح أهدافها والرد علي التحفظات التي قد تكون لدي البعض, علي الأخص من العاملين بالوزارة. الأهرام المسائي استطلعت رأي مثقفين من أجيال مختلفة في شأن هذا التصور وامكانية تحقيقه ومدي فاعليته في ظل هذا الظرف المعقد. في البداية أكد الكاتب ابراهيم اصلان أنه لا بأس من دراسة أي مشاريع جديدة لإعادة تنظيم الوزارة, لكن المخاوف حاليا تكمن في سيطرة رأس المال علي الوزارة, وعلي نشاطاتها الثقافية, لأنه كما أوضح استمعت لوزير الثقافة في التليفزيون فشعرت بالقلق البالغ والدهشة لأنه يتكلم حول الالفاظ النابية التي يستخدمها الناس عند لقاء بعضهم محتجا علي ذلك, وهذا فهم قاصر للثقافة, فهل يتصور ان الأدب المتمكن يتخلي عن هذه الألفاظ, أيضا اتضح قبلا انه قام بأمور رقابية علي الاعمال التي تقدمها ساقية الصاوي. وشدد أصلان علي أن وزارة الثقافة ليست ساقية أخري تقدم منوعات مدفوعة الاجر, لكن مصر دولة كبيرة ثقافيا ولها تاريخها الثقافي وكوادرها من روائيين ومفكرين وفلاسفة وعلماء, لذا المشروع المقدم جدير بالدراسة. ومن جانبه قال الكاتب محمد البساطي يجب أن تلغي الوزارة لأنها لاتأتي بغير أمثال فاروق حسني, فالثقافة لا تحتاج وزارة, وحان الوقت ان ينظم المثقفون أنفسهم بأنفسهم ولا تأتي جهة سيادية تتدخل في شئون المثقفين, والوسط الثقافي وسط انتاجي بامتياز يجب أن يخرج من تلك المركزية. فيما تطرق الشاعر أمين حداد إلي نقطة أخري عن التخصص ومن باستطاعته أن يحدد هذه النظم الجديدة قائلا أري أن هذه التفاصيل ليس وقتها, يجب أن نحتشد في هذه الفترة حول مطالب الثورة أولا حتي تتحقق كاملة, ولكن إذا ظلت الوزارة أو أصبحت مؤسسات لابد أن تكون في خدمة الموهوبين والفنانين الحقيقيين وليس لأنصاف الموهوبين, واتاحة فرص متكافئة, ولكن كيفية تحقيق هذا يجب ان يسأل فيها اساتذة في الادارة والتنظيم, وليس فنانا. ونفي حداد أن يكون وجود وزارة للثقافة هو سبب ما حدث من فساد إذ كان ثروت عكاشة وزيرا للثقافة وكانت وزارته موجهة لكن كان هناك اطلاق لطاقات الابداع, وفرصة حقيقية للموهوبين من الشباب, فأتاح صلاح جاهين الفرصة للابنودي وسيد حجاب, وتساءل هل يضمن مثل هذا المشروع اتاحة الفرص المتكافئة انا اعتقد ذلك. فيما أبدي بعض الكتاب مخاوف من إلغاء الوزارة إذ أكد الكاتب أحمد أبو خنيجر أن من الصعوبة إلغاء دور وزارة الثقافة خصوصا في ظل الأمية الثقافية التي تعيشها البلاد, لكن أنا مع بعض النقاط في المشروع مثل تحفيض العمالة ويبقي المنتج فقط, وحل صندوق التنمية الثقافية واعادة هيكلته, وأيضا مع تصور لتفعيل وضع الثقافة في مصر. وأشار أبو خنيجر إلي أن هناك مشروعين يجب ان ننتبه لهما لأهميتهما هما: التعليم والثقافة, خصوصا بعد الثورة لأن لا يوجد من يدعم الشباب الموهوبين, إذ يجب أن يكون هناك خطة وسياسة عامة خاصة بالبلاد نستطيع من خلالها محاسبة القائمين علي تنفيذها. وعبر الكاتب الساخر جلال عامر عن مخاوفه من الرغبة الجارفة في التغيير كل شيء والتغيير حسب قوله بالجملة رغم اننا معه. وهنا تساءل عامر هل نحن يهئون الآن لمثل هذه الاقتراحات رغم جمالها, إذ ندعو لجمهورية برلمانية وان يأتي رئيس شرفي, أري أن هذا المشروع شيء جيد ولكن ليس وقته واقترح أن يكون في وزارة الثقافة زعيم ولكن يجب أن يكون هناك مايسترو, حتي لا يكون المال الخاص مسيطرا وتصبح ثقافة موجهة, طبعا نحن مع التخلص من الفساد وتخفيض عدد العاملين فأنا مع كل التغييرات, لكن كما أقول دائما نحن نغير الترزي ولا نغير القماشة؟ وتساءل عامر عن ضرورة هذا المشروع لمجتمعنا, وقال أنا متخوف من التغيير المفاجيء, إذ يجب أن نهييء الظروف لتقبل الوضع الجديد, لأن كل التغيرات المطروحة تريد تغيير الوضع من فوق وليس من الأساس, فلم يدعو أحد لمجموعة تتصدي للأمية أو مجموعة من الأطباء يتصدون لمرض متفش مثل البلهارسيا, الكل من المثقفين والسياسيين يتحدثون عن التغيير من فوق, لكن انا اتوجه لهم بنداء أن يهتموا بالقاعدة الشعبية أولا. وقال الكاتب سعيد الكفراوي الثقافة المصرية ثقافة صناعة ثقيلة, ونحن في وطن يزخر بالتراث والإبداع عبر تاريخه, ومصر تمتلك طول الوقت القوة الناعمة من كتاب ومفكرين ومبدعين وهذا هو رأس مالها, وتأثيرها الوحيد في محيطها نابع من هذه القوة, وهذا الثقل الثقافي لا تتحمله غير الدولة مثل الدورالذي قام به طه حسين أو ثروت عكاشة وأشكال التنوير العديدة جاءت من الدولة. وأوضح الكفراوي لا أرفض ان تخدم منظمات المجتمع المدني الثقافة, لكن دون التضحية بدور وزارة الثقافة, والبحث هنا يكون عن كيفية ايجاد آلية مخلصة حقيقية شفافة في دعم الثقافة من داخل الوزارة, لأن هذا المشروع مثل قفزة في الهواء ولا توجد تجربة في تاريخ الثقافة المصرية مثل هذه, فالثقافة تنطلق من وزارة لها رؤية تصلح بصلاح المسئول وتفسد بفساده. وأشار الشاعر عبد المنعم رمضان إلي مخاوف من نوع أخر قائلا أبغني أحدهم أن هذه الجمعيات الثقافية المستقلة سبق أن أعدت قائمة مقترحة لأسماء وزارة ما بعد الثورة وأدهشني أنهم رشحوا عادل السيوي وبهاء طاهر ومحمد الصاوي الذي هو أحد ترشيحاتهم وصديق جمال مبارك الذي كان موجود في كل اجتماعاته لرسم استراتيجية ثقافية, وهذا الأمر لا يجعلني ارتاح لاقتراحات هذه الجمعيات, ولا ارتاح لأي مشروع يكون من ضمنه تقليص العمالة, ولا ارتاح لنسبة الأقاليم لأن هذا الكلام قديم وسلفي, فالقاهرة لم تعد مركزا لكنها اقليم. واكمل موضحا انا متحفظ علي تلك الجماعات لأنها مرتبطة بالغرب ارتباطا مشبوها, وانا لست ضد إلغاء وزارة الثقافة لأني كتبت مقالات عن هذه الفكرة من التسعينيات لأنها ابنة النظام الشرعية لكن كنت اقترح أن تكون هناك وزارة للتراث لأنها صناعة ثقيلة لا تقدر عليها سوي الدولة, لذا نحن في حاجة لإعادة النظر بشكل تأملي, لأن مثل هذه الاقتراحات ساذجة تخدم النشر الخاص والطبقات البرجوازية الجديدة, وأنا مستريب في هذا الأمر. ولكن كان للكتاب الشباب وجهة نظر أخري إذ أوضح الكاتب أحمد مراد أن من الاسباب الرئيسية التي تجعلنا ندرس هذا المشروع بعناية أننا نفتقد إلي التخصص في مصر, وتقوم المؤسسات علي مركزية القرار إلي جانب الاستعانة بذوي الثقة عن ذوي الخبرة والكفاءة, لكن التقسيمة التي يطرحها المشروع أكثر انتاجا وتركيزا أيا كان نوع التخصص التي تقوم به المؤسسات الخمس, وأتمني أن يكون القائمون علي كل مؤسسة قادرين علي ادارتها وليس الاستعانة بمن هم أعلي لإتخاذ القرار. وأكد الكاتب نائل الطوخي أهمية هذا المشروع مؤكدا أن وزارة الثقافة كيان ليس أزليا ولم يكن موجود من بداية تأسيس الدولة الحديثة, وطوال الفترات التي لم توجد بها كان هناك ثقافة فاعلة. وقال إن من ينتظر من الوزارة الدعم كان مقابله الحظيرة, وأيضا دعونا لا نكون متفائلين ليس معني إلغاء وزارة الثقافة انها ستختفي معها المصالح لأنها مرتبطة بتحديد الكيفية التي تجري عليها الأمور كيف ومتي وأين ولمن, لكن هذا المشروع يفكك المركزية الواحدة إلي دكتاتوريات صغيرة وهذا في حد ذاته مهم لأنه سيحقق توازنا ما.