يظل أمر الإسراء والمعراج أوسع وأعم من أن يكون حدثا تاريخيا مجيدا ومعجزة وقعت لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فأظهرت ماله من فضل وبينت ماله من مكانة, ولكن هذه الرحلة المباركة رسمت لحياة المسلم لما فيها العظات والعبر مالا يكاد يحيط به الإنسان. يقول الدكتور زكي عثمان أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر إن حدث الإسراء والمعراج لم يكن مجرد قصة لها أبطال وسيناريو وحبكة وعقدة هو أسمي وأرفع وأرقي من ذلك بكثير لأنه يحمل بين طياته سمات منهج حياة المسلم فمن أهم هذه السمات بعد الزمان والمكان والإنسان والقيم العظيمة والأخلاق الكريمة والإنسان ممثلا في رسول ربه عبد وهذا العبد يؤدي كل حقوق ربه من خلال ما أمره الله به ويجتنب نهي الله عنه حيث قال ربنا في أول سورة الإسراء( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) الآية1, وحينما يكون الإنسان عبد الله يكون ملتزما بهذا المنهج الواضح السليم الممثل في قوله تعالي في سورة الأنعام خطاب يوجه إلي النبي صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الآية162, فأما البعد الزماني كما يقول عثمان فهو ممثل في اللحظات التي أسري بالنبي صلي الله عليه وسلم من أرض إلي أرض إلي مابعد سدرة المنتهي في حالتي الإسراء والمعراج وكان الوقت ليلا إذ يقول لنا ربنا( سبحان الذي أسري بعبده ليلا) ولماذا الليل؟ فالليل له سمات يتميز بها منها النقاء والصفاء والهدوء والسكون وكل إنسان إما أن يخلو بنفسه أو بحبيه وهنا تاتي اللحظة الفريدة كي يكون اللقاء فيه التكريم والتشريف من الله لحبيبه فعلينا أن ننظر إلي حقيقة الليل بدلا من أن يكون ضجيجا وخوفا ولابد وأن يكون ليلنا منيرا بالقيام والتهجد وقراءة للقرآن وما أعظم الليل حينما يذكر فيه القرآن بالنسبة للمؤمنين, ثم هناك البعد المكاني وقد كانت رحلة الإسراء من مسجد إلي مسجد وهو انتقال فيه البركة من جميع زواياها سواء من المسجد الحرام أو المسجد الأقصي وهنا من خلال المكان تكون الوحدة التي نحن في احتياج إليها هذه الأيام ومابعدها فوحدة المكان تكون عبقرية عظيمة رائعة فبيت الله الحرام نزل فيه الوحي علي قلب النبي صلي الله عليه وسلم والمسجد الأقصي كان فيه أنبياء الله عز وجل فعبقرية المكان أيضا تبدأ من بيت المسجد رحلة المعراج إلي ما بعد سدرة المنتهي وهنا يحدث وصال بين الأرض والسماء. ثم البعد القيمي والخلقي فيتمثل في قوله تعالي( لنريك من آياتنا) طه الآية23, فكم من مشاهد رآهارسول الله صلي الله عليه وسلم تبني النفوس وتؤلف القلوب وتوقظ الضمائر لأن هذه المشاهد إما أن تكون مبنية علي الترهيب أو الترغيب فهي بحث ودروس تربوية في منهج حياة المسلم, ورأي رسول الله,( أقواما يزرعون وكلما زرعوا حصدوا) شيء عجيب فيسأل الرسول أمين وحي السماء جبريل ما هذا يا أخي جبريل فيجيبه هؤلاء المجاهدون في سبيل الله المنفقون لأموالهم ولننظر لقوله تعالي( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل)( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) البقرة الآية261, ولقد رأي رسول الله,( ثورا كبيرا يخرج من حجر صغير ويريد أن يعود فلايستطيع) ويسأل النبي, ما هذا يا أخي جبريل هذه هي الكلمة إذا خرجت منك لم تستطع إعادتها ورأي أقواما يأكلون نارا بأفواههم فتخرج من أدبارهم قال ما هؤلاء يا أخي جبريل, قال هؤلاء أكلة أموال اليتامي, ونقرأ قوله تعالي( إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) النساء الآية.10 ويقول الدكتور محمود رفعت المدرس بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر بأسوان تعد معجزة الإسراء والمعراج آية من آيات الله تعالي التي لا تعد ولا تحصي, ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها, قد أكرم الله تعالي بها نبيه محمد,, وأراه فيها عجائب آياته الكبري, ومنحه فيها عطاء روحيا عظيما, وذلك تثبيتا لفؤاده, ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلي النور, ولتكون تمحيصا منه تعالي للمؤمنين, وتمييزا للصادقين من الكاذبين, فيكونوا جديرين بصحبة رسوله, إلي دار الهجرة.. ومن مواطن العبرة والعظة من تلك الرحلة العظيمة, وأن نتخذ منها منهج حياة لنا في واقعنا, فنسري بهامن الضلال إلي الهدي, ونعرج بها من مما نحن فيه إلي الدرجات العلا من الإيمان الإلهي والحب الرباني, فأولي الدروس التي يتحتم علينا أن نتخذها نبراسا لنا في حياتنا, أن فرج الله قريب من عباده المؤمنين, وأن مع العسر يسرا, وأن النصر مع العسر, فلا نيأس ولا نقنط ولا نعجز, بل نصبر ونحتسب وندعو الله أن يفرج عنا ما نحن فيه, فتلك سنة الله في خلقه, قال تعالي( حتي إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) سورة يوسف:110, فالنبي, قبل إسرائه كانت الدنيا قد ضاقت به وشقت عليه بما لاقي من حصار قومه بني هاشم في الشعب ومقاطعتهم, ثم موت عمه أبو طالب فزوجه خديجة رضي الله عنها ثم خروجه إلي ثقيف يدعوهم إلي الإيمان والإسلام فقابله القوم بأن أغووا به أطفالهم وسفهاءهم فضربوه بالحجارة حتي أدموا قدميه الشريفتين, فكان فرج الله تعالي له بأن أكرمه بتلك الرحلة المباركة تسلية وتسرية وترويحا وتأييدا له,. ومن تلك العبر التي نحن في أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحاضر لتكون منهج حياة لكل عبد مسلم أن يرفق بعضنا ببعض, وأن يعذر بعضنا بعضا, فلا نكيل التعنيف والسباب والويل والثبور لمن خالفنا في رأي مهما بلغ, فإنه لا يبلغ درجة المخالفة في الدين التي تعرض لها النبي,, ولنكن متمثلين بنبينا,, وما فعله مع أهل تثقيف في مقدمات الإسراء, وقد أوسعوه ضربا, فما كان منه, إلاأن رفع يديه الشريفتين إلي السماء ودعا ربه قائلا: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني علي الناس, أنت رب المستضعفين وأنت ربي, إلي من تكلني, إلي بعيد يتجهمني أم إلي قريب ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل علي غضبك أو يحل علي سخطك, لك العتبي حتي ترضي, ولا حول ولا قوة إلا بك. فأنزل الله تعالي ملك الجبال قائلا: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله, بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا. ومن تلك العبر والعظات المهمة أيضا التي فقدناها في عالمنا اليوم الثبات علي الحق وقوة العقيدة في نفوسنا, فإن ر سول الله, ليلة أسري به مر بريح طيبة, فقال يا جبريل ما هذه الريح؟ قال: هذه ريح ماشطة بنت فرعون وأولادها, بينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المدري من يدها فقالت: بسم الله, فقالت بنت فرعون: أبي؟ قالت: بل ربي وربك الله, قالت: وإن لك ربا غير أبي, قالت: نعم الله, قالت: فأخبر بذلك أبي, قالت: نعم, فأخبرته فأرسل إليها, فقال: ألك رب غيري, قالت: نعم ربي وربك الله, فأمر بنقرة من نحاس فأحميت, فقالت له: إن لي إليك حاجة, قال: نعم, قالت: فجعل يلقي ولدها واحدا واحدا حتي انتهوا إلي ولد لها رضيع فقال: يا أمتاه أثبتي فإنك علي الحق] رواه البخاري, فهل بلغنا مثل هذا الثبات الذي تخر معه الجبال الرواسي. ومن أهم الدروس النافعة لنا في حياتنا من رحلة الإسراء والمعراج, الصلاة التي فرضت فوق سبع سماوات, فعلي المسلم المحافظة عليها, فهي صلته الدائمة والمستمرة بربه, فالصلاة للمسلم عبادة يومية خمس مرات, فهي أول ما يبدأ به يومه في صلاة الفجر, وآخر ما يختم به يومه في صلاة الوتر, وبينهما صلوات بين الفرض والنافلة, فإذا حز به أمر صلي, وإذا تحير في أمر صلي صلاة الاستخارة, وإذا خسفت الشمس أو كسف القمر صلي, وإذا جف المطر صلي, وإذا بشر بالخير صلي شكرا لله تعالي, وإذا وافته المنية وقدم علي ربه كان آخر عهده بالدنيا صلاة الجنازة عليه, فمتي التزمنا بذلك سلم المسلم في نفسه وسلم منه المجتمع, فقال تعالي:( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) سورة العنكبوت:.45