أحدثكم عن كريم الهلالي.. كان ولدا من طين وماء يبرق الهواء بين رئتيه..دثرته المطر برحلتها القصية فامتد همزة وصل في دفترها.. تعلم من الصباحات لثغة الريح.. وراوغته الفكرة..كريم لم يكن ولدا يخاف النداء..أما وصفته لكم؟...عيناه نجمتان رسمهما الماء من ضيائه..حين انفلق...شعره من رذاذ العطر نثره صبيب النبع حين انبثق...ابتسامته من شوق الندي حين انسكب في الشفق...دربه من رجع الخطي يستقي للأقدام مجامر الحصي حين احترق... أين كريم...أما عاد؟.... لقد تعللت بالواو..وقلت..وقد يأتي..وسوفت وقلت سوف يأتي.. وتعللت بحتي واللام.. ولن..ولم يأت تعللت بالغناء..حبست الكلام في غصن الهديل وجعلت لكريم قفصا ووجهت لغابات وجهي دعاء وناديت...يا وتر ذوب هذه الغصص..ولم تأت.. تعللت بالمساء وقلت له غيما يوقظه من سباته حين يأزف لصباح وسأهز إلي بجذع الزمان ليتساقط من عرش الثواني اسمه.. لينام فوق دفتر القسم..ولم تأت تعللت بالعابرين إلي مدن الأحلام وحملت وجهك هذيانا الي أصيف القادم وارتميت سهما في خاصرة من عرفوك وقلت ارسموه وردة ليدي..ولم تأت تعللت بالماء..صاحبت موجته المندفعة. صدقت زيف وعوده...وناديتك..يا ابن جرحي..تأخرت وهذا النبع قد فاض...فنقضت صوتي موتا ودمعا.. وقسمت حزني بيني وبينك ولم تأت... كريم...هل تأتي إذا انفجر السيل كريم...هل تأتي إذا انفجر السيل؟ هاهو الماء يفتح الضفاف علي الضفاف..سأقرأ لك المتنبي يرج للريح صهيل خيله.. وسأعلمك كيف بث الشابي أغانيه للرعاة... وسأدس لعينيك فكرة.. كريم هل تأتي إذا حدثتك عن حلوتك.. ترتسم أمامي في لون الشفق..تلهو بوحدتها وتقتات من دفاترك غيما ومطرا وعصافير لها غنة التائهين... كريم هل تأتي إذا حدثتك عن العلم..؟ ها هو نشيد الأوطان يصهل في السماوات ينادي اليمام.. ويعلم الصغار..شوق الجهات... كريم لم لا تأتي؟...خذ نهاري واحتم به إن سلبك المدي جناحيك.. وخذ عيني حلق فيها إن طردك الماء خارج زبده.. كريم.. عد إلي حضن الأرض واستعد بريق الجناح..وكحل جفونك بحبر دمعي... ابتعدعن ذلك الماء الذي سمرك فوق خريطة الجرح وسم النهار الذي لا يراك.. لذ به واعطه كل اسمك........... كريم.. قد حط اسمك في كفوف قلبي.. فقليلا من الملح يا أصدقائي..قليلا من الجرح يا شعرائي..قليلا من الجمر رفقائي..هاهو يستيقظ نعاسا شفيفا. أحلمه..وأسرق منه نجمة. خبأها الماء..دللها قمرا..أنبتها شجرا..نثرها مطرا..وغاب إلا صورة..تمتد في هذا البراح الطليق.