سيد مكاوي الذي فضل أن يعيش ضريرا علي أن يأخذ عين أمه, ابن حي السيدة زينب الذي حول الظلمة إلي عالم من الألحان الشجية ليسعد بها عشاق فنه. لم يولد مكاوي ضريرا ولكنه شاهد الدنيا بعيون طفولته وقلبه الأخضر فاختزن الطبيعة بداخله وتشكلت أحاسيسه منذ الطفولة وعوضه الله سبحانه وتعالي بالحس المرهف الذي استطاع أن يملأ به الدنيا ألحانا تشجي النفوس. روت عنه أمه بعد أن أصبح فنانا مشهورا أنه كان يمتلك قلبا كبيرا منذ طفولته فقبل أن يفقد بصره كان لا يحتمل رؤية القسوة أو الدم, كان ذكيا حنونا علي وعلي والده وعندما توفي والده بكي سيد كثيرا حتي فقد بصره وبدأت مأساة سيد مكاوي فمال للعزلة والاستماع إلي الموسيقي ومصاحبة أهل الفن وكان قلب أمه يدمي ألما علي ابنها وعندما سمعت من حفيدتها خبرا عن( بنك العيون) فقررت أن تتبرع بإحدي عينيها من أجل أن يبصر ويري الدنيا من جديد ولكن مكاوي رفض وغضب وقال يكفيني وجود أمي بجانبي. في حارة الثعابين بالسيدة زينب ولد سيد مكاوي في مايو1926 ضعيف البصر, ففقد بصره تدريجيا فشجعته أسرته علي حفظ القرآن علي يد الشيخ الحنفي السقا وبدأ يؤذن للصلاة في مسجد أبو طبل والحنفي بحي الناصرية ودرس فنون التجويد والقراءة وهو في السادسة عشرة من عمره وقد خصه الله بملكة الذاكرة الموسيقية الحادة التي ظهرت عنده في الإنشاد الديني عندما كان يتابع كبار المنشدين وسرعان ما حفظ الدور والموشح حتي ولو سمعه مرة واحدة وكانت أمه تشتري له الأسطوانات القديمة من بائعي( الروبابيكيا) بثمن رخيص. تتلمذ مكاوي علي يد محمد العقاد الكبير, تعلم العود من أمين بك المهدي, كان حلمه في بداية حياته الفنية أن يكون مطربا وفي الخمسينيات تقدم للإذاعة المصرية وتم اعتماده كمطرب تذاع موشحاته علي الهواء مباشرة وفي مواعيد شهرية ثابتة أما في منتصف الخمسينيات بدأت الإذاعة التعامل معه كملحن ومطرب وأسندت إليه الأغاني الدينية مثل( حيارة علي باب الغفران) و(آمين..آمين) حتي توجها بأسماء الله الحسني. كان مولعا بألحان الشيخ زكريا أحمد وسجل بصوته أدوارا تراثية وموشحات كانت ثمرة إنتاجه ألفا وخمسمائة لحن تغني بها كبار المشاهير فقدم للمطربة( ليلي مراد) أغنية( حكايتنا إحنا الاثنين) وللمطربة( شادية) أغنية( هوا يا هوا يا اللي أنت طاير) و( همس الحب يا أحلي كلام) وللمطربة( شهر زاد) لحن( غيرك أنت ماليش) ولفايزة أحمد أغنية( يا نسيم الفجر صبح) ولنجاة الصغيرة( قال بتعزني). لقد أقنع سيد مكاوي المسئولين بالإذاعة بأهمية تطوير شكل المسلسلات الإذاعية بعمل مقدمات غنائية لهذه المسلسلات فكان له الفضل في وضع هذه القاعدة وقدم من خلالها العديد من المقدمات الغنائية لمسلسلات شهيرة وأسندت إليه الإذاعة تلحين عدد من حلقات المسحراتي واشترط أن يقوم هو بغنائها وقرر سيد مكاوي الاستغناء نهائيا عن الفرقة الموسيقية وتقديم المسحراتي بطبلة فقط. ومن هنا وضع أساس لحن خاص لتقديم المسحراتي وكان له الفضل في الأغاني الجماعية بالإذاعة فهو أول من لحن أغاني المجاميع فقدم للشاعر( محمود حسن إسماعيل) أغنية( آمين آمين يارب الناس), لم تقتصر ألحانه علي الأغاني العاطفية فقط ولكنه كان يتفاعل مع كل ما يمر به وطنه بداية من عام1956 م والعدوان علي بور سعيد فقدم أغاني المعركة( ها نحارب) و(ازرع كل الأرض مقاومة) وعام1967 قدم أغنية( الدرس انتهي لموا الكراريس) للفنانة شادية عقب قصف مدرسة بحر البقر وأغنية( إحنا العمال اللي اتقتلوا) عقب قصف مصنع أبو زعبل وغني الأرض بتتكلم عربي ولم يكتف هذا الفنان الموهوب بما حققه بل اجتذبه المسرح الغنائي فاشترك في أوبريت( القاهرة في ألف عام) الذي قدمه علي مسرح البالون من خلال الفرقة الغنائية الاستعراضية كما قدم أيضا العديد من الأعمال المسرحية أشهرها أوبريت( الليلة الكبيرة) الذي سبق تقديمه في نهاية الخمسينيات في الإذاعة كصورة غنائية وحقق هذا الأوبريت نجاحا غير مسبوق مازال مستمرا حتي الآن ومن أشهر أعماله الرباعيات التي كتبها صديقه الشاعر( صلاح جاهين) وغناها المطرب( علي الحجار) بينما كانت أغنية يا مسهرني لأم كلثوم أشهر أعماله علي الإطلاق حيث لحن لها بعد ذلك أغنية( أوقاتي بتحلو) ولكنها توفيت قبل أن تغنيها فقدمتها المطربة( وردة الجزائرية) وقد توفي هذا الفنان الكبير يوم21 أبريل عام1997 عن عمر يناهز السبعين عاما في نفس يوم وفاة صديقه الحميم صلاح جاهين الذي كان يشبهه في خفة الظل رحمهما الله.