لشهر رجب عند العرب ثمانية عشر اسما, من أشهرها: شهر الله الأصم, فقد سموه بذلك, لأنهم كانوا لا يسمعون فيه قعقعة السلاح, ولا صوت استغاثة وسموه بشهر الله الأصب: لأنهم يعتقدون أن الخيرات والبركات تصب فيه وسموه برجب الفرد أو الشهر الحرام, لعزلته عن سائر الأشهر الحرم المتبقية وهي: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, وهذا اسم شرعي. ومن أسمائه: رجم, لأن الشياطين ترجم فيه. وسموه المعلي, لأنه رفيع المكانة عالي المنزلة عندهم وسموه شهر العتيرة, لأنهم كانوا يذبحون فيه, ويسمون ذبيحة بالرجبية أو العتيرة. وكان العرب في الجاهلية يعظمون الأشهر الحرم غاية التعظيم, فيلقون فيها السلاح, ويتركون الغزو حتي إن الرجل ليلقي قاتل أبيه أو أخيه أو ابنه فلا يتعرض له بسوء. ومن معاني الترجيب في اللغة العربية: التعظيم يقال: رجب فلان مولاه أي: هابه وعظمه, ومنه سمي شهر رجب بهذا الاسم, لأن العرب وبخاصة قبيلة مضر كانوا يعظمونه في الجاهلية بترك القتال فيه. أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض, السنة اثناعشر شهرا, منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان), معني استدارة الزمان كهيئته: أي: أن الزمان استدار استداره مثل صفته وحالته التي كان عليها يوم خلق الله السماوات والأرض, وإضافة النبي صلي الله عليه وسلم شهر رجب إلي قبيلة مضر, لأن قبيلة مضر كانت من أشد القبائل العربية تمسكا بتعظيمه بخلاف غيرها فيقال: إن قبيلة ربيعة كانوا يجعلون بدله شهر رمضان, وكان من العرب من يجعل في شهري رجب وشعبان ما ذكر في شهري المحرم وصفر, فيحلون رجبا ويحرمون شعبان. وذكر الأشهر الحرم علي الترتيب الوارد في هذا الحديث: ذو القعدة, وذو الحجة والمحرم, ورجب فيه إشارتان: الأولي: إن ذكر هذه الأشهر بهذا الترتيب يكون من سنتين لا من سنة واحدة, لمصلحة التوالي بين الأشهر الثلاثة, وإلا فلو بدأ بالمحرم لفات مقصود التوالي. الثانية: إشارة إلي إبطال ما كان العرب يفعلونه في الجاهلية من تأخير بعض الأشهر الحرم, فقد قيل: كانوا يجعلون المحرم صفرا, ويجعلون صفرا المحرم لئلا يتوالي عليهم ثلاثة أشهر لا يتعاطون فيها القتال. ووصف النبي صلي الله عليه وسلم شهر رجب بكونه بين جمادي وشعبان: من باب التأكيد, لأن أهل الجاهلية قد أخروا بعض الأشهر الحرم, فيحلون شهرا حراما, ويحرمون مكانه آخر بدله. وللأشهر الحرم مزية هي: أن العام يبدأ بشهر واحد منها, وهو: شهر الله المحرم, ويتوسط بشهر واحد منها, وهو شهر رجب, ويختم العام بشهرين هما: ذو القعدة, وذو الحجة وإنما كان الختام بشهرين, لوقوع الحج ختام العام الأركان الأربعة, فهذه الأركان تشتمل علي الأقسام التالية: القسم الأول: عمل مال محض: وهو الزكاة القسم الثاني: عمل بدن خالص: وهو الصلاة, والصوم والقسم الثالث: عمل مركب من مال وبدن, وهو الحج فلما جمع المال والبدن, ناسب أن يكون له ضعف ما لواحد منهما, فكان له من الأربعة الحرم شهران. رئيس قطاع أصول الدين كلية الدراسات العليا بالازهر