اهتم الاسلام أيما اهتمام بالفقراء والمساكين, وغرس في قلوب أتباعه من المؤمنين بعد إيمانهم برب العالمين ضرورة الإحسان إلي الفقراء والمساكين. بل وجعل عدم الحض علي طعام المسكين من علامات التكذيب بيوم الدين, ولذلك رغب الإسلام في الإنفاق والصدقات علي المساكين ليضمن التوسعة عليهم رغبة في رضاء الله تعالي وثوابه في الدنيا والآخرة. يقول الدكتور رشدي شحاتة رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان: المؤمن هو الذي قبل الدخول في نطاق الإسلام معلنا التزامه الكامل بكل بنود عقد الإيمان الذي بينه وبين ربه بناء علي الإيجاب والقبول قال تعالي إن عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا, وقال تعالي إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. فالمؤمن لا يكذب بالدين لأن الله سبحانه وتعالي هداه وقبل الدخول في عقد الإيمان أعلن التزامه ببنود عقد الإيمان, وبناء علي ذلك لا يمكن أن يكذب بالدين لأنه أعلن سلفا التصديق به. ويوضح رشدي أن من علامات التكذيب أن تدع اليتيم ولا تحض علي طعام المسكين, والمسكين هو الذي لا يجد قوت يومه أو يجده بالكاد, فيجب علي كل مسلم مؤمن بهذا الدين أن يحض أي يدعو وينصح نفسه وغيره برعاية المسكين, والحض هو دعوة الغير لفعل الخير ومن الخير إكرام المسكين حتي يصل إلي درجة الكفاية. وهذا الأمر مرتبط بالأمن والأمان في المجتمع لأنه عندما يعطي الأغنياء حق المساكين والفقراء من أموالهم فإن الفقير يدعو للغني بالزيادة والنماء في ثروته, ولأنه كلما زادت ثروة الغني زاد نصيب الفقير والمسكين, والفقير كذلك لن يحقد عليه ولا يحسده, ويتمني زيادة ثروته, والغني في هذه الحالة ينام مستقر البال لأنه أرضي الله سبحانه وتعالي, ويحافظ الفقير علي ممتلكات الغني, ومن هنا فالإطعام من الجوع مرتبط بالأمن من الخوف فعندما يطعم المسكين ننام مطمئنين غير خائفين من سرقة أو قتل. ويقول الشيخ عاصم القبيصي مدير عام المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف إن الفقير أشد حاجة من المسكين لأن الفقير مأخوذ من الفقر, وهو الخلو لقولهم أرض فقر, والمسكين هو الذي لا يجد الكفاية التامة, وهو مأخوذ من سكن لأن هذا المسكين عنده شيء من الذل بسبب قلة ذات يده, فالمسكين هو أيضا فقير, والفقير ليس مسكينا, فالمسكين لا يجد كمال الكفاية بينما الفقير كان أشد إلي الحاجة والعوز من المسكين, ولذلك قدمه الله تعالي عندما ذكر الصدقات بقوله تعالي إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها, والمسكين والفقير كلاهما من مستحقي الزكاة والصدقات, ولقد اهتم بهؤلاء المساكين والفقراء وفرض لهم من الفرائض ما يكفل لسد حوائجهم, ويضمن لهم أن يعيشوا حياة كريمة في المجتمع. يقول سيدنا عمر بن الخطاب إذا أعطيتم فأغنوا وقد رغب الإسلام في الإنفاق والصدقات علي الفقراء والمساكين ليضمن التوسعة عليهم قال تعالي مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا, ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا, ويقول عليه الصلاة والسلام إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. ويشير القبيصي إلي أن الإسلام حثنا علي العناية والاهتمام بالفقراء والمساكين قال تعالي للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا, ويقول عليه الصلاة والسلام ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, وإن المسكين الذي لا يجد غنيا يغنيه, ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس, ولعل في قوله تعالي ولا يحض علي طعام المسكين, وفي قوله تعالي في سورة الفجر ولا تحاضون علي طعام المسكين أكبر داعيا وواعظا علي القيام بحقوق الفقراء والمساكين, وأكبر دليل علي جرم حرمان المسكين, ولذلك كان سيدنا أبو الدرداء يحث امرأته علي تكثير المرق لأجل المساكين, ويقول خلعنا نصف السلسلة بالإيمان فلنخلع نصفها الثاني بالصدقة, وقد اقتبس ذلك من قوله تعالي إنه كان لا يؤمن بالله العظيم, ولا يحاضون علي طعام المسكين الحاقة, وتخيل أن هذا هو حكم ترك الحض علي طعام المسكين, فكيف لمن ترك الإطعام أصلا؟, ولذلك ينبغي علي المجتمع أن يقوم بدوره حيال هذه الفئات الضعيفة من الفقراء والمساكين, وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم حتي يتقوا سؤال الله تعالي فيهم وآتوهم من مال الله الذي جعلكم مستخلفين فيه. ويقول الدكتور أحمد صبري عبد المنعم بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف كان النبي صلي الله عليه وسلم يغير نظرة الناس للمسكين فكان يقوم مع المسكين بنفسه ليقضي له حاجته, فعن عبد الله بن أبي أوفي قال كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكثر الذكر, ويقل اللغو ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي حاجته, ومن ثم نري النبي صلي الله عليه وسلم يحض أصحابه علي قضاء حوائج المساكين كما قال في الحديث الشريف الساعي علي الأرملة والمسكين كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر, وكأنه يوضح لأصحابه وأتباعه أن التقرب إلي الله تعالي لا يكون فقط بقيام الليل أو بصيام النهار بل يكون أيضا بالسعي في حاجات المساكين, ولا يكتفي عليه الصلاة والسلام بهذا القدر من الاهتمام بالمسكين بل يحذر الأغنياء من أن يقيموا الولائم فيدعوا إليها الأغنياء ويهملوا الفقراء. بل يوجب عليهم أن يشاركوا الفقراء طعامهم وشرابهم حتي تحدث الألفة بين الغني والفقير, قال عليه الصلاة والسلام شر الطعام طعام الوليمة يدعي الغني ويمنع المسكين, بل وينهي عليه الصلاة والسلام عن رد السائل ومنع فضل الله تعالي عنه فيقول من ولي أمرا من أمر الناس ثم أغلق بابه دون المسكين أو المظلوم أو ذي الحاجة أغلق الله تعالي دونه أبواب رحمته عند حاجته وفقره أفقر ما يكون إليها. ويوضح صبري إن من أعظم أسباب السعادة النفسية والطمأنينة في الدنيا إطعام المساكين فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكي إلي رسول الله قسوة قلبه فقال له: إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وأمسح علي رأس اليتيم, وإذا كان الإحسان علي الفقير أمرا محمودا فإذا كان الفقير قريبا كان الأجر أعظم, قال عليه الصلاة والسلام الصدقة علي المسكين صدقة وعلي ذي القرابة اثنتان: صدقة وصلة. ولبيان أهمية الصدقة للفقراء والمساكين نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام يؤكد لأصحابه أنه أول المتمثلين, وحتي يكون قدوة واضحة لأتباعه فعن المطلب أنه قال: ذبحت في بيت أم سلمة شاه فلما سلخت جاء مسكين يستطعم فقام الرسول( صلي الله عليه وسلم) بنفسه فقطع له عضوا فأطعمه. فذهب المسكين. فدل آخر. فجاء فقام الرسول( صلي الله عليه وسلم) هو بنفسه فقطع له منها عضوا فأطعمه. فتدالوا عليه. فلم يزل الرسول( صلي الله عليه وسلم) يطعمهم حتي أطعم الشاة جميعا, فقالت أم سلمة: يا رسول الله: ألا تركت بعض شاتنا نأكله فقال: كلها والله لنا.