عشت حياتي كلها و أنا أعرف مصيري فقد تداهمني زفرات النهاية في أي وقت. قدرا أصابني في قلبي و رضيت به.. لازمني منذ ولادتي بعلة روماتيزمية تقض صحتي و تدفع بي مستسلمة مرات كثيرة لفراش المستشفي ما بين الأمل في الشفاء و الرجاء في رحمة الله عز و جل. لست ناقمة علي ما أنا فيه فبداخلي إيمان عميق بحكمة المولي في بعض خلقه ممن يبتليهم بالمرض العضال. لكن المشكلة الحقيقية التي تزلزلني و تجتاح كياني هي أني بت أعيش بقلب عجوز علي أعتاب ربيع عمري و مسحة الشباب و الأنوثة أحاطتني بمن يعجب و من يطلبني للزواج و أنا أردهم في أدب دون أن يعلم أحد أني مجرد صورة جميلة لفتاة في مقتبل عمرها و لكنها تعيش بروح مرهقة و شائخة لا امل لها في الزواج أو أن تكون أما في يوم من الأيام. قال لي الأطباء ذلك و استسلمت لأمر ربي و شغلت نفسي بالدراسة و العلم و كنت أحقق ذاتي في دراستي بشكل جيد لدرجة أنني تخرجت من كلية الآداب قسم فلسفة بتفوق و من كثرة قراءاتي في الفلسفة تأصلت داخلي أفكار كثيرة حول قيمة الحياة و اعتبارات أنها مرحلة انتقالية للحياة الأبدية, و أن مرضا كالذي يلازمني مترقبا نهايتي ليس إلا سببا في انتقالي من مرحلة حياتية مؤقتة إلي مرحلة حياتية لا نهائية. كنت سعيدة بحياتي رغم علتها حتي جاء يوم فارق في عمري كله تعرفت فيه علي شاب يكبرني ببضع سنوات انجذب له قلبي المترنح خوفا و أملا.. أجل أحببته و أحبني و نسيت معه علتي و خوفي.. فكرت أن القدر يهديني أحاسيس تعوض حرماني من السعادة و لو بعض الوقت. و قلت لنفسي لما لا أحب و أرفل في ثوب السعادة لا أبالي بالحياة و لا بالموت فما يقدره الله لي هو فاعله و كما كان القدماء من آبائنا يقولون لا حيلة في الرزق و لا شفاعة في الموت.. و انا أحسست أن هذا الشاب رزقي من الحياة فقررت ألا أصده مثل غيره. تجاوبت معه و عشت معه خيالات لم يكن لي أن أعيشها أبدا. و لكنها الحياة بمرارتها لم تتركني طويلا لسكرة الحب هذه لأفيق علي واقعي المعتل و يعمل ضميري في صدري كوخز السهام القاتلة تدمي حبي و تقضي عليه. جلدت نفسي لأنها خدعت إنسانا باسم الحب لا ذنب له إلا انه وثق في قلبي دون أن يعرف أنه محكوم عليه بالتحجر و العيش بلا أحاسيس. إحساسي بالندم جعلني أخبر حبيبي بحقيقة مرضي و تحذيرات الأطباء لي. قلت له الحقيقة و اعتذرت منه و أحللته من مشاعري و سألته الرحيل عنه.. و لكنه فاجأني برفضه المرض و استسلامي له. قال لي إنه أحبني و لا يطيق فراقي و أنه قد يموت قبلي فالأعمار بيد الله.. كان مصرا علي ارتباطه بي أضعاف إصراره من قبل.. و لكني لا أطيق حرمانه أن يكون أبا في يوم من الأيام. قلت له إن أمه و أباه يحلمان باليوم الذي ينجب فيه أطفالا فكيف لي أن أحرمهما من أحلام عمرهما فيك. غادرته بلوعة الفراق تشتعل نارا في صدري تقض مضجعي ألسنة الجوي.. تحرقني و بت أستعجل في نفسي تلك النهاية التي تترقبني و لا تأتي. ظلمة اليأس و الخوف جعلتني أتلمس أوراقي و أكتب لك لعلي أصل إلي شاطيء نهار آخر يشرق في نفسي أو أتعلق بأهداب خيط من نور أرتاح به من ظلمتي. ل ن البحيرة إن سر السعادة في الحياة هو الحب الذي منحك الله إياه و جعل منه ترياقا لقلبك المعتل و نفسك الخائفة.. تحرك قلبك بمشاعر جددت فيه الحياة و جعلت من مساحات الأمل طريقا تستشرفين به حقك من السعادة. لا تبتأسي يا فتاتي فلكل إنسان محنة في حياته يسعي لها و تسعي إليه و الاستسلام لها هو الموت بعينه و أنت كما قلتي في رسالتك تؤمنين بحكمة الله في خلقه و أن الابتلاء قدر محتوم فلا تجعلي للخوف مكانا في نفسك فالأعمار بيد الله تعالي الذي قال في محكم آياته ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون{ المنافقون11}, و قال تعالي فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون{ الأعراف:34}. و من هنا لابد و أن تدركين أن حكمة المولي عز و جل في اختبار عبده و مدي قدرته علي الصبر و تجاوز المحن. و لكي أن تعرفي أن خطيبك لا ذنب له حتي تضيعي حبه بمخاوف لا أصل لها فهو يحبك و يريد أن يشاركك آلامك و محنتك و في ظني هذا هو الحب الحقيقي. و يبقي أمر لا يجيب عنه غير العلم من قبيل الأخذ بالأسباب فقد تشاورت في أمر حالتك مع الدكتور هاني أمين أستاذ القلب بطب عين شمس و أكد لي أنه ليس في كل حالات أمراض القلب يستحيل الأمل في الزواج أو الانجاب. قال الدكتور هاني أمين إن أمراض القلب لا تمنع الزواج ولكن القليل منها يمنع أمكانية الحمل فهناك أمراض قلب بسيطة لا تمنع الحمل علي الاطلاق ومنها: القسم الاول: ارتخاء الصمام الميترالي وعدم انتظام طفيف في ضربات القلب,وارتجاع بسيط بأي من صمامات القلب- ضيق بسيط بأي من صمامات القلب, ثقب صغير بين الاذينين أو البطينين وحمي روماتيزمية قديمة لم تؤثر علي صمامات القلب. القسم الثاني: هي أمراض القلب القابلة للإصلاح قبل حدوث الحمل وهي ضيق شديد او متوسط بأي من صمامات القلب, ثقب بالقلب بين الاذينين والبطينين, ضيق بالشريان الاورطي وتضخم بسيط بعضلة القلب قابل للإصلاح. القسم الثالث: وهو ما يمنع الحمل تماما ضعف شديد في عضلة القلب, وارتفاع شديد في ضغط الشريان الرئوي, ضيق شديد بصمامات القلب لم يتم إصلاحه. و في النهاية أبدي الدكتور هاني اهتمامه بحالتك يا فتاتي و رغبته في إجراء بعض الأشعات الدقيقة لقلبك ليعرف حالتك بشكل دقيق مؤكدا أن الأمل في الله أولا و التقدم المذهل في علاجات القلب و جراحاته كبير.