أعتقد أن بعض هذه الملاحظات مهمة لاسيما مع بروز حالة من عدم الاستقرار الوزاري التي تشهده مصر للمرة الأولي في تاريخها المعاصر حيث لم تستمر حكومة الفريق أحمد شفيق الأولي سوي لأيام معدودة علي نحو أصبحت معه ثاني أقصر حكومة عمرا في تاريخ الوزارات المصرية بعد وزارة حسين فخري التي استمرت لثلاثة أيام فقط في عهد الخديوي توفيق, شهدت مصر الاثنين22 فبراير2011 تشكيل حكومة تسيير أعمال برئاسة الفريق أحمد شفيق لتقود مسئولية البلاد حتي إجراء التعديلات الدستورية المرتقبة التي تمهد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تستجيب لتطلعات الشعب وتضع الأساس لشكل الدولة في المرحلة المقبلة. ويعتبر هذا التشكيل رقم117 في التاريخ المصري منذ أول وزارة في عهد نوبار باشا عام1879, ورقم89 في تاريخ الوزارات المصرية منذ عام1923, ورقم49 في تاريخ الوزارات بعد ثورة23 يوليو, والثاني ما بعد أحداث25 يناير2011, والأول بعد تنحي الرئيس مبارك الذي شهد عهده14 تشكيلا وزاريا مقارنة ب18 تشكيلا في عهد الرئيس عبد الناصر, و16 تشكيلا في عهد الرئيس السادات. ويلاحظ علي تشكيل هذه الحكومة عدة ملاحظات أولها أنها حكومة تضم مزيجا من الرموز الوطنية المعبرة عن مختلف القوي السياسية في البلاد حيث ضمت د. جودة عبد الخالق رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع, ومنير فخري عبد النور سكرتير عام حزب الوفد, وعددا من الوزراء المنتمين إلي الحزب الوطني مثل د. سمير رضوان ود. ماجد عثمان عضوا المجلس الأعلي للسياسات, ود. أحمد جمال الدين الذي تم إقصائه من حكومة نظيف الثانية في عام2005 بحكم صلة قرابته لأحد القيادات الإخوانية الكبيرة. وبالرغم من أن ذلك التشكيل يعتبر للوهلة الأولي عنصر ثراء وتنوع, إلا أنه يثير في الوقت نفسه التخوف من عدم وجود خط واضح للسياسات العامة المتبعة مستقبلا, وتأرجح الحكومة بين الفكر اليميني الذي يركز علي سياسات الاقتصاد الحر والفكر اليساري الذي يتضمن مزيدا من التركيز علي قيم العدالة الاجتماعية وتقريب للفوارق بين الطبقات. وثانيها, قلة عدد الوزراء من العسكريين أو العناصر التكنوقراطية ذات الخلفية العسكرية باستثناء رئيس مجلس الوزراء نفسه ووزير الدولة للإنتاج الحربي, وذلك مقارنة بجميع الحكومات في أخر ثلاثين سنة, والتي ضمت عددا تراوح من أربعة إلي سبعة وزراء من العسكريين والشرطيين في كل حكومة. ويعكس ذلك حرص المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي إرساء الطابع المدني للوزارة, وعدم زج الجيش بنفسه في إدارة الشئون اليومية لحياة المصريين. وثالثها, إسناد منصب نائب رئيس الوزراء الذي كان قد تم إلغاؤه مع رحيل د. يوسف والي وزير الزراعة عام2004, وعاد للمرة الأولي مع المشير حسين طنطاوي في31 يناير2011 لشخص مدني هو د. يحيي الجمل الذي تولي منصب نائب رئيس مجلس الوزراء لشئون الحوار المجتمعي. وتزامن مع ذلك عودة عدد من الوزراء إلي واجهة العمل السياسي مرة أخري بعد أن خرجوا من التشكيلات السابقة مثل د. يحيي الجمل نفسه والذي شغل من قبل منصب وزير دولة لشئون مجلس الوزراء ووزيرا للتنمية الإدارية عام1971, ود. عمرو عزت سلامة ود. أحمد جمال الدين وزير التعليم العالي والتربية للتعليم اللذين تم تعيينهما وزراء في حكومة د. أحمد نظيف الأولي في يوليو2004 واستمرا حتي ديسمبر.2005 ورابعها, بروز دور أساتذة الجامعات كمصدر رئيسي للتغيير الوزاري, وإن تم مراعاة شغل هؤلاء الوزراء لمناصب إدارية أخري باستثناء عدد محدود من الوزراء مثل د. جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية. فمن أصل عدد26 وزيرا في الحكومة, ضم التشكيل عدد14 من الحاصلين علي درجه الدكتوراه أغلبهم من أساتذة الجامعات, وعدد5 مهندسين, و2 مستشارين, و2 دبلوماسيين بالإضافة إلي ثلاثة وزراء متنوعي الخلفيات العلمية. وخامسها, إنشاء وزارات جديدة ودمج وزارات ونقل اختصاصات. وشمل ذلك تغيير مسمي بعض الوزارات لتتماشي مع التغيرات التي تشهدها مصر, وتجلي ذلك بشكل واضح في إضافة مسمي' العدالة الاجتماعية' إلي وزارة التضامن الاجتماعي التي تم إنشاؤها في حكومة د. أحمد نظيف الثانية لتضم ما تبقي من كل من وزارتي التموين والشئون الاجتماعية. وكذلك إلغاء عدد من الوزارات مثل وزارة الإعلام التي ثار الحديث عن إلغائها منذ فترة دون أن يصاحب ذلك اتخاذ أية إجراءات فعلية, ووزارة الأسرة والسكان التي تم استحداثها خلال الفترة من أكتوبر1993 وحتي عام1996 ثم ألغيت مرة أخري إلي ان عادت مرة أخري عام.2009 وصاحب ذلك إعادة دمج وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي مرة أخري بعد أن تم فصلهما في عام1997 مع تغيير في المسمي من وزارة التعليم إلي وزارة التعليم العالي والتربية والتعليم, وإعادة مسمي وزير الدولة للبحث العلمي الذي أنشأ في عام1986 وتم إلحاقه عام1997 في اختصاص وزير التعليم العالي. وسادس هذه الملاحظات هو التأكيد علي عدم ضم أي من رجال الأعمال, والذين دخلوا للمرة الأولي الحياة السياسية ابتداء من وزارة د. أحمد نظيف الأولي ووصل عددهم إلي6 وزراء في وزارة د.أحمد نظيف الثانية, والذي شهد وجودهم انتقادات عدة بسبب تداخل اعتبارات الثروة مع السلطة أدت إلي خروجهم من التشكيل الوزاري الأول للفريق أحمد شفيق عقب أحداث25 يناير. وسابعها, محدودية عدد الوزراء من سلالة الوزراء السابقين, والتي شملت وزيرين هما د. عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي الذي شغل نفس منصب والده في عهد الرئيس عبد الناصر, والمهندس محمد عبد المنعم الصاوي ابن وزير الثقافة والإعلام في أواخر عهد الرئيس السادات, وذلك مقارنة بأربعة وزراء من ابناء وأحفاد الوزراء في حكومتي د. نظيف الأولي والثانية, وترافق ذلك مع انحصار عدد الوزراء الذين ينتمون إلي عائلات مرموقة في شخص منير فخري عبد النور. وثامنها, ارتفاع متوسط عمر الوزراء مرة أخري بعد أن انخفض في وزارتي د. أحمد نظيف السابقتين التي شهدت دخول وزراء شباب مثل د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار39 سنة ووزير النقل د. عصام شرف42 سنة ووزير الشباب الإعلام لاحقا أنس الفقي44 سنة. وتاسعها, استمرار ظاهرة قلة عدد الوزراء من المرأة والأقباط في تشكيل الحكومة, فمن أصل26 وزيرا هناك وزيرة واحدة هي السيدة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي, وعدد2 من الوزراء الأقباط هم د. ماجد جورج وزير الدولة لشئون البيئة, ومنير فخري عبد النور وزير السياحة. وعاشرها, عدم حسم الموقف من إنشاء وزارة للشباب في وقت أثبتت فيه الأحداث تصاعد الدور السياسي الذي يقوم به الشباب في تغيير المجتمع, فبعد أن تناثرت الأحاديث عن إلغاء المجلسين القوميين للشباب والرياضة وتعيين وزير للشباب ومن الشباب تم العدول عن ذلك في اللحظات الأخيرة دون سبب واضح. كما برز الحديث في وسائل الإعلام عن إعادة منصب وزير الدولة لشئون الهجرة والمصريين بالخارج التي تم إنشاؤها في أغسطس1982 ولكن لم يشهد التعديل الذي شهد دخول10 وزراء ذلك. أعتقد أن بعض هذه الملاحظات مهمة لاسيما مع بروز حالة من عدم الاستقرار الوزاري التي تشهده مصر للمرة الأولي في تاريخها المعاصر حيث لم تستمر حكومة الفريق أحمد شفيق الأولي سوي لأيام معدودة علي نحو أصبحت معه ثاني أقصر حكومة عمرا في تاريخ الوزارات المصرية بعد وزارة حسين فخري التي استمرت لثلاثة أيام فقط في عهد الخديوي توفيق, وفي وقت نحن في أمس الحاجة إلي مزيد من الاستقرار فيه لاسيما مع بروز عدد من التحديات الداخلية والخارجية والمؤشرات التي تشير إلي وجود حالة من الضبابية في المشهدين السياسي والاقتصادي.