أكد الدكتور نصر محمد عارف أستاذ الفلسفة أن تجديد الخطاب الديني والثقافي يعني معالجة مشكلات المجتمع وهمومه, مشددا علي أن الديني مقدمة ضرروية للثقافي, وأنه يختلف المنطلق إليه والهدف منه حسب غرض وأيديولوجية كل طرف علي حدة. وأضاف أن التيارات الأخري توظف مفاهيم ودعوات التجديد لمصالحها الإيديولوجية أو الحزبية الضيقة بغض النظر عن المجتمع والناس, مشيرا إلي أنه لم يجد فيما يقدمه إسلام الببحيري فكرا ولا تجديدا, وإنما وجد شابا مراهقا يفتش عن غرائب الموضوعات في التراث ويخرجا عن سياقها, مؤكدا أنه ماكان يجب محاكمة أحمد ناجي لأن مضمون أدبه, عقد نسية.. وأسئلة أخري أجاب عليها في هذا الحوار: بداية, ماذا يعني تجديد الخطاب الديني والثقافي من وجهة نظرك وكيف تري التيارات الأخري هذين المفهومين؟ المقصود بالخطاب الديني أو الثقافي هو الأفكار والقيم التي يتوجه بها علماء الدين والدعاة والمثقفون إلي الجمهور العام, أي أنه هو وسيلة التواصل بين العالم والمتعلم, بين الداعية وجمهور المتدينين, بين المثقف والشعب, بين الكاتب والقارئ, بين المتحدث والمستمعفإذا فهمنا هذا المعني يكون التجديد في الخطاب الديني والثقافي هو في حقيقته عملية مستمرة, لا تتوقف أبدا, لأن توصيل الفكرة أو المعلومة أو القيمة أو الرأي من المتحدث إلي المستمع, أو من الكاتب إلي القارئ يستلزم أن يكون الطرف المرسل ملما بعقلية المستقبل, وباحتياجاته, وبما يريد أن يعرف, وباللغة التي يفهمها ويتفاعل معها. إذن تجديد الخطاب هو أن نخاطب الناس علي قدر فهمهم وعقولهم واهتماماتهم واحتياجاتهم, لا أن نلقي عليهم همومنا وأفكارنا وأمراضنا, فتجديد الخطاب الديني أو الثقافي يعني أن نعالج مشاكل الناس الذين نعيش معهم, وأن نتناول هموم المجتمع بما يحقق مصالح المجتمع, لا أن نأتي بأفكار ميتة من التاريخ ونلقيها للمجتمع والناس ونطلب منهم أن يهجروا زمانهم ويعيشوا في زمن مضي وانقضي من مئات السنين; حتي يكونرا مسلمين مؤمنين أتقياء, ولا أن نأتي بإفكار قاتلة ومميتة من مجتمعات تختلف عن مجتمعنا اختلافات كبيرة ونطلب من المجتمع والناس أن يتبنوا هذه الأفكار حتي يكونوا حداثيين ومعاصرين وعلي الموضة. التجديد يعني أن يكون الفكر والثقافة نابعين من الواقع, مناسبين له, مصلحة لأحواله, محققين لسعادة الإنسان ومصالحه, واستقرار المجتمع وتقدمه. أما بالنسبة لرؤية التيارات الأخري التي توظف مفاهيم ودعوات التجديد لمصالحها الأيديولوجية أو الحزبية الضيقة فيعني التخلص من خطاب مرفوض لفرض خطاب آخر مقبول ومحبب, بغض النظر عن المجتمع والناس, فالتجديد للإسلاميين الحزبيين يعني التخلص من خصومهم الأيديولوجيين من المتصوفة, أو العقلانيين أو العلمانيين, والتجديد بالنسبة للتيارات اليسارية والعلمانية والحداثية يعني التخلص من الدين بكل مكوناته وتجلياته, وتقليد التجربة الأوروبية والسير علي طريقها في كل شيء, في الفصل بين الدين والحياة, وتحرير الإنسان من الدين والقيم والعادات التي هي في نظرهم بالية, أي أن التجديد عند هؤلاء هو إلغاء منظومة ثقافية كاملة لتحل محلها منظومة أخري, وهذا ليس تجديدا, وإنما نوع من الهدم, من أجل بناء شيء مختلف. هل هناك علاقة بينهما وما هي العلاقة؟ هناك علاقة عضوية بين تجديد الخطاب الثقافي وتجديد الخطاب الديني, فتجديد الخطاب الديني مقدمة ضرورية لتجديد الخطاب الثقافي, لأن القيم والأفكار الدينية هي التي تشكل ثقافة الفرد والمجتمع, وتحدد توجهاتها, فالخطاب الديني المغرق في التعلق بالماضي سيقضي حتما علي ثقافة الإبداع والابتكار والتخطيط للمستقبل, والخطاب الديني الذي يبالغ في الغيبيات لن يساعد علي ظهور ثقافة عقلانية رشيدة الخ, لذلك لابد من تجديد الخطاب الديني ومعه يسير بالتوازي تجديد الخطاب الثقافي, علي أن تكون المبادرة من الخطاب الديني, وهنا أقصد الخطاب الديني المسلم والمسيحي, لأن كليهما يعاني نفس الإشكاليات, وإن كان البعض يتحرج من الحديث عن تجديد الخطاب المسيحي; خصوصا في موضوع الأحوال الشخصية وتسييس الرهبنة الذي تجلت إحدي أزماته في محمية وادي الريان وهناك أمثالها في الدير الأبيض في سوهاج, وغيرها, هذه الظواهر لا تختلف في جوهرها عن التيارات السلفية في الإسلام, وهي خطر علي وحدة المجتمع واستقراره وتماسكه. كيف نوصل للناس هذين المفهومين؟ مما لا شك فيه أن هناك تيارات فكرية تستغل مظلة تجديد الخطاب الديني بالخصوص للانتقام من تيارات دينية بعينها, أو لهدم شرعية مؤسسات دينية راسخة كالأزهر مثلا, ومما لا شك فيه أن هناك ضمن هذه التيارات من يريد التخلص من الدين جملة وتفصيلا ويتخذ من مظلة وشعار تجديد الخطاب الديني ذريعة لتفريغ الدين من محتواه, ونزع القداسة عنه, والقضاء علي سلطانه القيمي والأخلاقي هذه التيارات موجودة وفاعلة وللأسف هي الأعلي صوتا في مصر بحكم هيمنتها علي المؤسسات الثقافية والإعلامية, وبحكم كون معظم أعضاء قبيلة المثقفين في مصر من هذه الفئة. ولكن لا يمكن اتخاذ هذا ذريعة للحفاظ علي خطاب ديني متخلف, بعيد عن الواقع, يعيق تقدم المجتمع, بل يدفع إلي تفكيك المجتمع وإدخاله في حالة صراع الكل ضد الكل, وهنا يكون تجديد الخطاب الديني مركزا علي القضايا الأساسية التي تحتاج إلي تجديد رؤية مثل العلاقة مع غير المسلمين, وحقوق المسيحيين, وموضوع المرأة, والتعامل مع العصر بكل منتجاته الفكرية والمؤسسية والتنظيمية, والفنون. الخ, وكل القضايا التي يجمع العقلاء في المجتمع علي أنها أصبحت تمثل مشكلة وعائقا أمام استقرار المجتمع وسعادة الانسان. وهنا يجب أن يتم التجديد من قبل المؤهلين من ذوي الإختصاص, فهم القادرون علي تقديم رؤية تجديدية في كل قضية علي حده, ثم بعد ذلك يتم تحويل هذه الرؤي إلي مادة ثقافية وفنية يتم تداولها في صورة حوارات أو أعمال أدبية أو فنية أو سينمائية.الخ, أي أن الأفكار التجديدية يجب أن تخرج من ذوي الإختصاص, ولكن عملية التجديد يقوم بها جميع المثقفين القادرين علي تفعيلها. لماذا فشلت كل محاولات تجديد الخطاب الديني والثقافي في العقود الماضية؟ للأسف لم تكن هناك محاولات جادة لتجديد الخطاب الديني والثقافي, بل علي العكس, كان يتم توظيف هذا الشعار لأغراض سياسية أو إيديولوجية, فرفع شعار تجديد الخطاب الديني أو الثقافي عادة ما كان يستخدم للتخلص من الخصوم السياسيين, أو لتمرير سياسات معينة, أو لنشر أيديولوجية معينة, أو لتبرير مواقف وتحسين الصورة أمام العالم الخارجي. وغالب المحاولات التي تم فيها رفع شعار تجديد الخطاب الديني تمت من قبل نظم ومؤسسات لعلة موقف سلبي من الديني سواء لأنها تعتنق العلمانية رسميا مثل نظام بورقيبة في تونس, أو القومية أو الإشتراكية أو غيرها, وكان الهدف من رفع الشعار هو التخلص من المؤسسات الدينية, وإخضاعها, وإفسادها, وإفقادها دورها التاريخي. الحقيقة التاريخية أنه لم تتم أي عملية جادة لتجديد الخطاب الديني في العالم العربي طوال القرنين الماضيين, كلها كان صراعات إيديولوجية وحروب أهلية ثقافية كان ضحيتها الدين والخطاب الديني, حيث تم استخدامه من جميع الأطراف, استخدمته الحركات السياسية للوصول إلي السلطة والإستحواذ عليها مثل جماعات الإخوان والتنظيمات المنبثقة عنها أو المتأثرة بها, واستخدمته النظم السياسية في صراعها مع الجماعات المعرضة بكل خلفياتها, فتارة تستخدمه ضد الإسلاميين, وأخري تستخدمه ضد التيارات اليسارية والعلمانية. من يشارك في تجديد التفكير الديني باعتباره المحور الأساسي لقضية نشر الوعي وتعزيز قيم الإسلام الحقة؟ تجديد الخطاب الديني عملية فكرية وثقافية معقدة ومركبة جدا, تبدأ بعملية إجتهاد يقوم بها العلماء المتخصصون المتعمقون في علومهم, حيث يراجعون الأحكام والفتاوي التاريخية التي تبني عليها الثقافة الدينية التي يراد تجديدها لأنها لم تعد صالحة للعصر الذي نعيشه, مثل قضية سفر المرأة أو عملها, أو قضية الجزية أو غيرها, ثم بعد ذلك يتم مناقشة ما تم التوصل إليه بين العلماء والدعاة والمشايخ للوصول إلي صورة واضحة; حتي لا يتحول الموضوع إلي معركة تحدث تشتتا في المجتمع, وبعد ذلك يتم نقل النقاش إلي وسائل الإعلام سواء المقالات أو التحقيقات الصحفية, أو البرامج التلفزيونية الحوارية, وبعد ذلك ينتقل الأمر إلي خطب الجمعة ودروس المساجد, وأخيرا يتم تحويله إلي أعمال درامية وسينمائية ومناهج تعليمية في المدارس والجامعات, هكذا تتم صناعة الأفكار وهكذا يتم تجديدها وتطويرها. ارتفع صوت البعض مهاجما الدولة في كل من قضيتي إسلام البحيري وأحمد ناجي؟ كيف تري ذلك من منظوري تجديد الخطاب الديني والثقافي؟ للأسف لم أجد فيما يقدمه إسلام البحيري فكرا ولا تجديدا, وإنما وجدت شابا مراهقا يفتش عن غرائب الموضوعات في التراث ويخرجها عن سياقها, ثم يقدمها بصورة استعراضية بعيدة عن النقاش العقلي المنطقي الذي يهدف إلي الإقناع والتجديد والتغيير, وإنما يقدمها بصورة في الإستعراض الشخصي ليثبت أنه عالم كبير, في الوقت الذي يقدم نفسه في صورة المراهق الذي يصلح أن يكون دنجوانا للنساء فاتحا قميصه إلي منتصف صدره بصورة تظهر مفاتن جسده, وما يخرج من لسانه عبارة عن شتائم وبذاءات لا تليق بإنسان متعلم, ولا يشرف بها إنسان نال قدرا من التربية, لذلك هو إرتكب جرائم السب العلني والتشهير والتعدي الشخصي علي رموز للمسلمين جميعا, وكنت أتمني أن يحاكم هو وصاحب القناة الذي انتقل من تربية فتيات الإعلانات إلي تجديد الخطاب الديني. أما أحمد ناجي فلا يمكن أن يكون أدبا ولا يحتوي علي مضمون أدبي وإنما هو تنفيس عن عقد نفسية, كمن يقضي حاجته ويتغوط في الطريق العام, هو فقط ينفس عن عقده علي ملأ, ولا يستحق أي اهتمام, وما كان ينبغي محاكمته لأنه لا شئ. أما المثقفون الذين دافعوا ويدافعون عنه فهم من قبيلة المثقفين المصرية التي مازال بعضها يعيش أوهام اليسارية والعلمانية التي كانت قبل نهاية الحرب الباردة, ولذلك أخذ هذان الشابان أكثر مما يستحقان من الإهتمام, وتم تسييس موضوعهما من جميع الأطراف.