الأديب الروائي والناقد خيري شلبي أحد أهم الأصوات الإبداعية علي المستويين المصري والعربي وصاحب الصدي الرهيب لدي المتلقي والمبدع علي السواء, بما انتجت قريحته من أعمال راقية هادفة, موجهة للمجتمع والإنسان, أينما كان وحيثما وجد, وفي أعماله وعلي سبيل المثال السنيورة, الأوباش, وكالة عطية, اللعب خارج الحلبة, منامات عم أحد السماك, صهاريج اللؤلؤ, لحس العتب, موت عباءة, ما ليس يضمنه أحد. وفي دراساته الأدبية وكتاباته النقدية والصحفية, يحيلنا وكما هو الحال في لحس العتب إلي موروث ثقافي مستمد من العنوان, إذ ترتبط كلمة العنوان الأولي لحس ببعض المعاني المفسرة لها: الحصول علي اللذة, تناول بقايا الطعام وإن اتخذت هنا معني السخرية والتهكم وذكرتنا بلحس الكلاب للأواني. المتبقي بها طعام, لتعرف ما فيها, والإتيان عليه. أما الكلمة الثانية في العنوان والتي تأتي بمعنيين: عتب الدار أو مقدمة الباب, أو كما ذكر العلامة الزمخشري. أنها تجيء كناية عن الزوجة. وفي النص ذاته لحس العتب جاء الكاتب وعبر سرده بلقطة الترابيزة مرات عديدة... وهذه اللقطة الترابيزة تعني قطعة الخشب المستخدمة في الأثاث, وقد جاءت كرمز مجسد للتحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لعائلة( زعلوك): من ثراء وغني. رغد وسعة إلي فقر, بل وفقر مدقع. وفي النص ذاته كذا ثمة تداخل بين المؤلف والراوي. مما قد يؤثر في الشكل الروائي ويحيله إلي ما يشبه السيرة الذاتية, عبر سيطرة الضمير السردي الأول( ضمير المتكلم)( أو الأنا) وتكراره كثيرا. وهذا ربما حدا بنا إلي تذكر تقنية الراوي العليم العارف بكل شيء كبيره وصغيره, عن أبطال نصه, يتحكم في السرد ويتحكم كذا في رسم الشخصيات وتوجيه الحدث وتحريك الشخصيات وتحديد كينونتها. وقد اعتمد الكاتب عبر سرده راويان, أحدهما خارجي والآخر داخلي. في راو واحد امتلك إمكانات هائلة, تفوق سنه وقدرته البشرية, فاستحال إلي آلة تسجيل للمرحلة بين عامي1941 و1946, بما اعتراها من تحولات في شتي المناحي: الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية. أما في روايته موت عباءة فثمة لغة وسطي. تمزج بين اللغتين الفصحي والعامية في مزيح واحد, ويجيء بها في الأمثال التي يوردها وتخدم السياق الأدبي والدرامي للنص, عبر تحويرها وعلي سبيل المثال: قال له يابا علمني التباتة, قال له ابقي تعالي يا بني في الهايفة واتصدر. وفي استهلاله لهذه الرواية النوفيلا القصيرة يقول الكاتب: أما إن عرق الهيافة ممتد في عائلتنا فحدث ولا حرج. فخلافاتهم ربما بدت للآخرين تافهة غير موجبة للعراك. بل قد يصل هذا إلي ما يشبه القطيعة أحيانا. الانعكاس: الإسقاط الرمزي علي الواقعين الاجتماعي والسياسي. عبر مكان محبب لفئة من الناس الغرزة وهؤلاء الناس مقتدرين جاهلين يضيعون أموالهم في الملذات, وهذا المكان الغرزة هو المكان المحبب لديهم بما يعبقه من دخان أزرق.. ويشاركهم فيه أيضا المفلسون( المهمشون) أي طائفتان: طائفة تخدم( الطائفة الثانية) والمرموز لها بالمحكومين وطائفة تخدم( الطائفة الأولي) المرموز لها بالحكام ويقدم الكاتب شخصياته من خلال العباءة, وكما هو الحال مع عباءة الحاج بسيوني وعباءة الشيخ زيدان مأذون البلدة, وعباءة عبد الحميد افندي. والتي هي بالطبع غير الآخرين. وقد رسم الكاتب أبعاد شخصياته مغايرة, ليشير إلي أهمية العباءة وأبعاد شخصيتها وأسرارها وأهميتها في الحياة الاجتماعية, وهي هنا رمز للأصالة والقيم العليا. وفي وكالة عطية نص الكاتب الشهير, والذي يلعب فيه علي المكان( الوكالة) كتيمة أساسية. والمكان( الوكالة) يرمز به الكاتب إلي الانسحاق, يعانيه من يعيشون ويترسبون في القيعان: قاع القرية وقاع المدينة.