هل بدأت رياح الغضب تدق أبواب باريس؟ وإلي أي مدي يمكن احتوائها وتهدئة سرعتها؟ وهل تتحول إلي ربيع كاسح يخرج عن السيطرة مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا؟ الاشتباكات العنيفة التي شهدتها فرنسا أمس بين الشرطة الفرنسية من ناحية وبين معارضي مشروع إصلاح قانون العمل المعروف باسم قانون الخمري نسبة لوزيرة العمل الفرنسية من أصل مغربي مريم الخمري من ناحية أخري, حرق سيارتين وإلقاء مقذوفات حارقة علي قوات مكافحة الشغب الفرنسية,كما شهدت عشرات حالات الاعتقال؟ هل تصل إلي حد إعلان التمرد العام؟. مجرد أسئلة تتوقف إجاباتها علي الطريقة التي تنوي الحكومة الفرنسية إدارة هذه الأزمة بها. حصيلة اشتباكات أمس محدودة لم تتجاوز إحراق سيارتين, وإصابات طفيفة بين رجال الشرطة الفرنسية, إلا أن الأزمة مرشحة للاشتعال إلي حد الانفجار في حال أصرت الحكومة علي المضي قدما لإقرار مشروع القانون المثير للجدل الذي تدعي أنه لمكافحة البطالة, بل وتسميه إصلاحا, فيما يعتبره المعارضون تهديدا مباشرا للعمال يسمح لأصحاب العمل بطردهم طردا تعسفيا, وطردهم لأسباب اقتصادية, كما يسمح لهم بالتلاعب في ساعات العمل وتوقيتاته, ومن ثم ابتزاز العمال. المظاهرات التي اندلعت أمس هي الثالثة خلال مارس الجاري, وشارك فيها طلاب المدارس الثانوية والجامعات وعدد من نقابات العمل, انطلقت من ساحات إيطالي ومونبارناس وأنفاليد بقلب العاصمة الفرنسية( باريس) وردد المحتجون هتافات ورفعوا لافتات منددة بمشروع إصلاح القانون المثير للجدل. المتظاهرون طالبوا بإلغاء مشروع القانون الذي يتضمن بنودا خلافية جوهرية, مؤكدين عزمهم مواصلة الاحتجاجات ودعوا الي التظاهر بكثافة يوم31 مارس. وإذا كانت مظاهرات أمس قد تسببت في تعطيل الدراسة في57 مدرسة وفقا لوزارة التعليم الفرنسية, فقد تسببت الأسبوع الماضي في تعطيل الدراسة في115 مدرسة, وذلك بالتزامن مع عرض المشروع علي مجلس الوزراء الفرنسي قبل رفعه للبرلمان لمناقشته وإقراره. وفي محاولة منها لتهدئة روع المتظاهرين, أكدت وزيرة العمل مريم الخمري أن الباب مفتوح للنقاش حول مشروع القانون, مشيرة إلي أنه سيخضع أيضا للنقاش البرلماني. ورغم تراجع الحكومة عن بعض النقاط الخلافية الواردة في مشروعها لتعديل القانون والتي تمثلت في تقديم رئيس الوزراء مانويل فالس مسودة جديدة له خالية من بند سقف التعويضات المحدد في حالة التسريح التعسفي, وذلك خلال اجتماعه بنقابات العمل والمنظمات الشبابية, وإزالة البنود التي تتيح لأصحاب العمل في الشركات الصغيرة والمتوسطة إدخال تعديلات خاصة بساعات العمل من طرف واحد, وتعزيز صلاحيات القاضي للبت في مسألة التسريح عن العمل لأسباب اقتصادية, فإن تلك التعديلات لم تكن كافية علي ما يبدو لتسكين مخاوف المعارضين لمشروع القانون, ولا حتي لإقناع عناصر من داخل معسكر الحكومة اليسارية. الحكومة الفرنسية تواجه مأزقا حقيقيا, وأزمة خانقة, قد تعقد محاولاتها لإنعاش الاقتصاد والحد من البطالة التي بلغت مستويات قياسية خلال الأشهر الأخيرة, لا سيما بعدما فشلت حتي الآن في إقناع الفرنسيين بمشروع قانون العمل الجديد, والذي يلقي معارضة شعبية كبيرة من قطاعات عريضة في الشارع الفرنسي تشمل عمالا وطلبة مدارس وجامعات وسياسيين أيضا, إضافة إلي منظمات شبابية وتنظيمات نقابية, تمكنوا خلال أيام من جمع أكثر من900 ألف توقيع علي عريضة تعارض مشروع القانون. ويبدو أن معارضي المشروع مصممون علي إجبار الحكومة علي سحب مشروعها بشكل نهائي, وإلا فقد يزداد الموقف تعقيدا, بعد تحولهم من مجرد المعارضة وجمع التوقيعات, إلي سلوك طريق الاعتراض العنيف والاشتباك مع الشرطة وقوات مكافحة الشغب. رئيسة بلدية ليل الواقعة شمال فرنسا مارتين أوبري انتقدت بشراسة سياسة الحكومة, وكشفت صراحة عن رغبتها في مغادرة قيادة الحزب الاشتراكي برفقة كوادر حزبية أخري, مما شاركت في التوقيع علي مقال نشر في بداية الأزمة بجريدة لوموند يعارض مشروع القانون ضمن كوادر سياسية وثقافية أخري, ما يهدد وحدة اليسار الفرنسي كله وليس الحكومة وحدها. وتبقي أبرز نقاط الخلاف في المشروع بين الحكومة والنقابات متمثلة في الطرد التعسفي وتحديد سقف التعويضات التي تصرف للعامل في حالة تسريحه, وهو ما ترفضه النقابات جملة وتفصيلا, وكذا الطرد لأسباب اقتصادية وتسريح العمال في حال الأزمات الاقتصادية, إلي جانب بند الاتفاقات التنافسية الذي يقضي بفتح حوار بين إدارة المقاولة والنقابات لأجل التوصل لاتفاق لتعديل وقت العمل أو إعادة النظر في التعويضات في حال رغبت المقاولة في رفع إنتاجها لتلبية طلبات الزبائن, والعمال الذين يرفضون ذلك يكون معرضين للطرد, وهو ما اعتبرته النقابات ابتزازا.