حظيت الانفجارات التي وقعت في العاصمة البلجيكية بروكسل بتغطية واسعة المدي, واستدعت ردود فعل هائلة شملت كل المستويات الرسمية والشعبية, تعبر عن الصدمة والغضب وتتوعد بمحاصرة الإرهاب وتطالب بالتصرف بعقل بارد ونفس طويل, كما طالب الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في بيان عاجل ألقاه عقب وقوع التفجيرات بوقت قليل. ومما لا شك فيه أن أي عمل إرهابي مدان تماما, ولكن ما يحدث الآن وانتشار ظاهرة داعش وتمدد أذرعها لكي تنشر الرعب في العالم يقودنا إلي التساؤل عن كيفية الخروج من هذه الدائرة المغلقة, فبعد أن تم تقويض كل من العراق وسوريا وليبيا, بدأت داعش والفصائل المشابهة لها في بث الاضطراب والفوضي والرعب في بعض مناطق أفريقيا, ونجحت حتي الآن في التحول إلي فاعل مؤثر في سياقات الأحداث لدي بعض الدول التي تستهدفها هذه الفصائل, الأمر الذي دفع بعض دول حوض النيل وشرق أفريقيا إلي الذهاب إلي إسرائيل من اجل وضع إطار تنظيمي يجمعها مع هذه الدول لمساعدتها في مواجهة هذا الإرهاب. غير أن داعش يمتد خطرها الآن إلي من وضع بذرتها الأولي, فداعش ليست إلا تطويرا لفكرة القاعدة وتعمل الآن بنفس نهجها الشبكي, وان كانت قد توفرت لها بطبيعة الحال العديد من المزايا والسمات التي تكفل لها التفوق علي كل التنظيمات الإرهابية التي سبقتها, فهي قد أقامت سلطة علي مساحة ممتدة من الأرض وأعلنتها دولة للخلافة, وبذلك مثلت نموذجا ملهما, يستحوذ في الوقت نفسه علي مقومات بشرية ومادية غير مسبوقة.. ولوعدنا قليلا إلي الوراء سنجد أن القاعدة تم خلقها ورعايتها بواسطة الاستخبارات الأمريكية في إطار مسعاها لإسقاط الاتحاد السوفيتي السابق عبر بوابة أفغانستان.. وجاءت الخطوة الثانية حين قامت واشنطن باحتلال العراق وتدميره ثم تسليمه لقمة سائغة بيد إيران. إن حالة الاستقطاب السني الشيعي التي تتغذي عليها داعش والفظائع الوحشية التي يرتكبها الطرفان( داعش وفصائل القاعدة والنصرة في مقابل الحشد الشعبي الشيعي وميلشيات أبوالفضل العباس وحزب الله) هي هندسة غربية بامتياز ولعبة أمم جديدة يجري فيها خلط الأوراق كلها من جديد لإعادة التقسيم ورسم الخرائط, وإبقاء هذه المنطقة المنكوبة تلعق جراحها ومصائبها لعقود أخري قادمة.. والحصيلة في النهاية تصب في حجر الغرب وربيبته إسرائيل. لاشك أن الخروج من هذه الفتنة سيقتضي الكثير من الأثمان الباهظة التي تدفع المنطقة بعض فواتيرها الآن.. إلا أن علينا واجبا هو أن نعيد النظر في جملة الأفكار التي غلفت عقولنا, وان ننعتق من اسر انتماءاتنا الأولية البدائية سواء كانت طائفية أو مذهبية أو إثنية أو غيرها, وان نتيجة لإقامة دولة القانون والمواطنة كمقدمة ضرورية لتلمس مسار الخروج. هذه بلا شك مهمة صعبة ولا يمكن التقدم فيها بمجرد الحديث عنها لأنها تتصل بتركيبات اجتماعية وتاريخية وبني ثقافية ممتدة الجذور.. ولكن حمامات الدم المتدفق بلا معني وبلا نتيجة سوي اللانتحار الجماعي يجب أن تمثل لنا رادعا كافيا للتوقف وإعادة النظر. وعلي الجانب الآخر, ينبغي علي الغرب أن يتوقف عن النفاق وازدواجية المعايير, فالعالم أصبح متصلا والحدود أصبحت وهمية والمسافات ملغاة.. فإذا صدقت النية لمحاربة الإرهاب يجب أن يكون هناك تعاون جاد وحقيقي لإيقاف الخراب الذي يتوغل في المنطقة العربية والشرق أوسطية