لو أن لدي مجلس العموم البريطاني ثقة في حكومته, فلأعضائه, أغلبية ومعارضة, أن يطمئنوا إلي أن لدي مصر طموحا حقيقيا لتجاوز أزماتها الحالية, رغم العثرات والصعوبات البالغة, إن تلقت الدعم الذي تستحقه. أسباب الاطمئنان عرضت في نقاش دام ساعة ونصف الساعة بين عدد من النواب الممثلين لمختلف الأحزاب وتوبياس إيلوود, مسئول ملف الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية. دار هذا النقاش أخيرا في جلسة فرعية بالبرلمان, هي الثانية بشأن مصر خلال3 سنوات. رغم أن القضايا الشاغلة للنواب لم تتغير كثيرا, فإن الكثير قد تغير في مواقف ونبرة النواب بمختلف تصوراتهم عما يحدث في مصر, خاصة بعد الثالث من يوليو. خفت كثيرا حدة الهجوم علي سجل مصر في مجال حقوق الإنسان الذي يشمل انتهاكات لقيت انتقادات حتي من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسي والإعلام المصري. وسرد النواب عددا من المآخذ علي وضع الحقوق والحريات في مصر من بينها: أحكام إعدام, ممارسات مزعجة في السجون وأقسام الشرطة, وضغوط علي منظمات المجتمع المدني, واحتجاز نشطائها وصحفيين, وضغوط علي حرية التعبير عن الرأي خاصة في قضايا الأديان, ومقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بعد تعذيبه. ومع هذا السرد, لم ينكر النواب أن هناك رغبة لدي السلطة, وعلي رأسها السيسي, لتغيير هذا السجل. وقال بعضهم: نري إشارات تدعو للتفاؤل حتي في سلوك الرئيس السيسي, ولدي الرئيس القدرة علي تغيير المسار, وهناك إشارة ما علي ليونة بسيطة ولكنها مرحب بها لطريقة التعامل مع( تطبيق) القانون والنظام علي سبيل المثال, كما تم تخفيف بعض أحكام الإعدام وهذا أمر يجب أن نشجعه. ويراهن نواب آخرون علي إدراك السيسي لأهمية حقوق الإنسان والحريات في مصر. ويقولون الرئيس السيسي تلقي تدريبات علي القيادة العسكرية في المملكة المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية, لذا فإنه يعلم أين تقع الحدود بين استخدام الوسائل العسكرية لضمان الأمن, وسوء استغلال القوة العسكرية لقمع شعبه أو أي شخص آخر إنه يعلم المقبول وغير المقبول. وخلال الجلسة بدا أن هناك ارتياحا لاقتراح أن تحرص بريطانيا علي أداء دور الصديق الأمين الناصح, باحترام, للقيادة في مصر. ورغم التطور الكبير قي العلاقات مع مصر, يقول النواب: يجب أن نبقي صديقا ناقدا لنظام السيسي. ولدعم الاستقرار.. نحتاج ليس لمجرد دعم حكومة الرئيس السيسي, بل لتشجيع حكومته علي معالجة بعض القضايا الملحة التي سببت الكثير من زعزعة الاستقرار خلال السنوات القليلة الماضية... إن الاستقرار يتطلب احترام حقوق الإنسان والدستور والمشاركة الديمقراطية. يؤكد النواب بوضوح, لا لبس فيه, إيمانهم بأن مصر شريك استراتيجي مهم في العالم العربي وحليف رئيسي في القتال ضد التطرف وداعش والأسد في سوريا, وضد التطرف في شمال أفريقيا وسيناء. ويقرون بأن بريطانيا تحتاج مصر مستقرة لو أريد تحقيق هذه الأهداف. لكنهم يرون أن النهج الحالي يصعب أن يحقق الاستقرار المنشود. لا يزال ملف الإخوان المسلمين شاغلا للبرلمانيين البريطانيين. وكرر النواب اتفاقهم علي فشل تجربة الجماعة في الحكم ورفض الشعب المصري لهم. واعترفوا مجددا بأن تحرك الجيش في الثالث من يوليو كان لدعم ثورة شعبية في30 يونيو ضد نظام الإخوان, وبأن الرئيس السيسي أعطي المصريين عملية ديمقراطية. غير أنهم يرون أن العملية الديمقراطية تقتضي تعاملا مختلفا مع الإخوان, ما دعا بعض النواب للتعبير عن قلق من الطريقة التي يعامل بها الرئيس السيسي( جماعة) الإخوان المسلمين. يقول هؤلاء ربما أن بعض أعضائها( الجماعة) يلجأون إلي الإرهاب أو يشجعونه. فلو كانوا كذلك, فإنهم يستحقون أن يحاسبوا عبر المحاكم والسجن. يعلم النواب البريطانيون أن تلك نقطة خلاف رئيسية بين بريطانيا ومصر. فالأولي تري إمكانية التعامل مع الإسلام السياسي طالما التزمت منظماته ومؤيدوه بالقانون والديمقراطية وقيم حقوق الإنسان. وتري مصر بقيادة السيسي ألا مكان لهؤلاء في السياسة. ويبرر النواب البريطانيون موقفهم بالمواءمة السياسية والأمنية. فهم يرون أن اتباع القسوة المفرطة بهذه الطريقة( في التعامل مع الإخوان والإسلام السياسي) سوف يخلق مناخا لو لم يتمتع فيه الشباب الذي يريد مجتمعا أكثر إسلامية- سواء اتفقنا نحن معهم أم لم نتفق- بالحق في الترويج لآرائهم بالوسائل السلمية والقانونية والديمقراطية, فإن هناك مسارات أخري مفتوحة أمامهم قد يرغبون في سلوكها. ويقصد النواب بهذه المسارات العنف والتطرف والإرهاب. ويحذرون من أن هناك آخرين في مصر وغيرها لن يكون لهم شاغل سوي تشجيعهم( الشباب) علي اتباع هذه الوسائل الأخري. لا يغفل النواب البعد الأمني ويقرون بضرورة توخي الحرص لضمان ألا يعني السماح لجماعات المعارضة بالازدهار دون اضطهاد في مصر, نمو الجماعات الإرهابية أو الجماعات التي تتبني الإرهابيين دون رصدها. يري النواب البريطانيون أيضا أنه رغم كل الصعوبات الكبيرة التي تواجهها مصر, فإنهناك إمكانية جيدة لمساعدة مصر علي العودة إلي المجتمع الذي يخدم مصالح مواطنيه ال90 مليونا, لو أدت بريطانيا دورها كشريك وحليف وصديق أمين. يقول النواب بمجرد استقرار الاقتصاد, ستكون إعادة تأسيس أفكار مثل الديمقراطية وحكم القانون أسهل بكثير. ويطالب النواب, في هذا السياق, الحكومة بالإسراع برفع حظر الرحلات السياحية إلي شرم الشيخ, التي يرونها حيوية للاقتصاد المصري, بعد التأكد تماما, بطبيعة الحال, من توافر الأمن. لا تختلف الحكومة مع النواب. فهي لا تزال تعتقد, كما أكد وزيرها لشئون الشرق الأوسط في بيانه أمام النواب, أن احترام حقوق الإنسان أمر حيوي للحكم الفعال بالنسبة للشعب المصري والاستقرار بعيد المدي. أما رهانها فهو علي الرئيس السيسي والحكومة المصرية لتحقيق مزيد من التقدم في حقوق الإنسان. ويشير بيان الوزير إلي أن قناعة بريطانيا بأن الرهان صائب, فهي مسرورة بالوجهة التي تتجه إليها مصر الآن., فرغم الأوقات الصعبة المضطربة التي تمر بها في القرن الحادي والعشرين, فإن مصر أنجزت عملا هندسيا فذا آخر عبر توسعة قناة السويس في عام واحد تحت حكم السيسي, وهو إنجاز يمثل تمثيلا حقيقيا طموح مصر للتقدم. أما أولويات الحكومة البريطانية في العلاقة مع مصر الشريك المقرب المهم في منطقة مضطربة فهي الأمن والاقتصاد وطريقة الحكم والتعليم. هذا الترتيب يجعل بريطانيا مستمسكة بطريقتها في إدارة الاختلافات مع مصر وهي النقاش الصريح خلف الأبواب المغلقة. هذا النهج يحبط, كما يقول إيلوود, هؤلاء الراغبون في أن تعلن بريطانيا انتقاداها للسلطة في مصر علي الملأ. لكن التجربة البريطانية مع مصر تقول إن طريقة مكبرات الصوت في إدارة الخلافات غير مجدية. يضرب الوزير البريطاني مثالا بالمفاوضات التي جرت بين السيسي والمسئولين البريطانيين خلال زيارته للندن في شهر نوفمبر الماضي. فقد أتاحت الزيارة فرصة لإجراء حوارات صريحة, وهو ما شكل لحظة مهمة لزيادة تعميق علاقاتنا. يقول إيلوود غالبا ما نجد أنفسنا متمتعين بنفوذ وتأثير أكبر علي ما يحدث في الكواليس بسبب الطريقة التي نمارس بها أنشطتنا, هو أمر( النفوذ والتأثير في الأحداث) لا يطرح دائما علي الصفحات الأولي للصحف. لكل هذا يعتبر الوزير والنواب أن جلسة البرلمان, التي كان هدف مناقشة الدعم البريطاني للاستقرار في مصر, قد جاءت في وقتها.