ياله من اختبار صعب ذلك الذي عقده لنا سقراط دون استعداد كامل منا للإجابة.. مجرد كلمتين ألقي بهما في لحظة تأمل قذفت بنا في عرض بحر النفس البشرية الهائج بما يعتمل به من موج عات وحالات مد وجزر لا متناهية.. وأخبرنا بمنتهي الحزم والوضوح بأن لا أحد سيجيب غيرك.. لمحت شزرا في عينيه وهو يقول: لاتجهد نفسك بالنظر في ورقة من أمامك أو بجانبك فذلك لن يفيدك شيئا مطلقا.. فأنت وحدك قد طرحت السؤال.. ووحدك من يستطيع الإجابة.. ياله من فخ يحتاج الفكاك منه إلي شجاعة فائقة وصدق مطلق مع أنفسنا يفتقده الكثير منا.. فالنفس البشرية ليست شيئا بريئا لكي يتم التعاطي معها ببراءة بل هي أكثر الأشياء تعقيدا وعصيانا علي الفهم حتي عن من يحملها بين جوانحه.. فمن منا يعرف ماذا يريد علي وجه اليقين؟.. قد يقول قائل: أنا أعرف.. وقد يكون ذلك صحيحا لكن ليس علي إطلاقه.. فكلنا يريد أن يكون نموذجيا.. أن نكون أصحاء بدنيا ونفسيا لكننا مثلا نفرط في التدخين أو نتبع طرقا غير آمنة في الغذاء وفي طريقة التفكير وفي الحياة بوجه عام.. كلنا نريد المال لكن لانبذل الجهد اللائق لتحصيله.. نريد الحب والسعادة لكن لانعرف كيف نتعاطاها بالوقت والشكل الصحيحين.. ما نريده اللحظة قد لانكترث به غدا دون أن ندري سببا واضحا.. أنا وأنت كثيرا ما نأتي بفعل نقف بعده كالبلهاء نسأل أنفسنا.. هل نحن حقا من فعل ذلك؟.. يقينا لا أنا ولا أنت نعاني انفصاما في الشخصية لكننا ببساطة نخطيء حين لا نقرأ أنفسنا جيدا.. فمعرفة النفس تعني بداية تخليصها من كل سلطة واقعة عليها علي إطلاق الكلمة وأن ننظر لها بمعزل عن المؤثرات المحيطة بها كالمجتمع واللغة والعادات والتقاليد وحتي العقيدة.. ونعيد النظر فيها مرارا.. نراجعها ونتأكد من حقيقتها.. نخضعها لمجهر ذاتي بالغ الدقة والقسوة لكي نسبر أغوارها ونكتشف مواطن ضعفها وقوتها.. بمعني أدق نمارس نقدا شاملا عليها بشفافية مطلقة.. نقدا لا رحمة فيه للباطل ويطئطيء كامل رأسه احتراما للحقيقة, حتي لو لم تكن هذه الحقيقة مرضية لنا وهي غالبا لن تكون كذلك. في محاورة شيقة مع كاتبة صديقة سألتني لماذا ننتقد شخصا في تصرف ما ثم نضع أنفسنا بنفس المكان.. مثلا نحن ننتقد من يكذب ولكننا قد نكذب.. نقسم بأغلظ الايمان علي أشياء عديدة بأنها صحيحة.. دون أن نعمل حسابا للنفس البشرية وأنها من الممكن أن تؤذي صاحبها لمجرد أن تصل لرغبة ما.. كانت أسئلتها محيرة.. فهل حقا لابد أن تكون كل أفعالنا مقنعة للآخر لكي يتقبلها.. كيف يتأتي ذلك ونحن أصلا نعجز عن إدراك الفهم الحقيقي ليس فقط لأنفسنا بل للكثير مما يدور حولنا.. في قصة الخضر عليه السلام كما ذكرها لنا القرآن الكريم آتي بأشياء لم يستطع سيدنا موسي عليها صبرا لكنه حين أدرك حقيقتها تمني لو لم يتعجل.. هكذا هناك أشياء عديدة تقع قد تبدو للآخر غير منطقية لكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك كل ما هنالك أن هذا الأخر لم يستوعبها في حينها.. إن محاولة قراءة الآخر أمر جيد في تعاملاتنا الحياتية من أجل تكوين صورة ذهنية نحدد من خلالها بوصلة التعامل معه.. لكن الأهم من كل ذلك هو ألا نصدر أحكاما قبل أن نجيد قراءة أنفسنا أولا فلو فعلنا ذلك بصدق وقتها سنجيب علي السؤال بمنتهي السهولة!!.. وفي الختام أعود لمقولة سقراط: كل ما أعرفه إني لا أعرف شيئا.. وللحديث بقية!!.