رغم أضرار الإدمان المعروفة والواضحة للعيان, ورغم الجهود المبذولة للتصدي لتلك الظاهرة المدمرة للذات والمجتمع, الا أن عدد المدمنين في ازدياد.. وأصبح الطب النفسي والعصبي يعترف بأن المدمن شخص مريض أكثر منه مجرم, وإن كان مجرما لابد من علاجه قبل محاكمته.. فالمدمن يحتاج برامج علاجية تأهيلية مكثفة تعتمد علي تعديل الأفكار السلبية, والسلوك غير المنضبط. ولاسيما أن شخصية المدمن من الأساس بها خلل في التركيبة النفسية والعقلية والاجتماعية, ولذلك انتهي بهم الحال إلي الادمان.. والبداية هي التدخين في سن صغيرة, وتلك هي بوابة التعاطي والشرور, وكلما زادت المشاكل زاد التدخين حتي يأتي صديق السوء وينصح بالإدمان والدمار. وما وراء الإدمان شخصية لم تتعلم تحمل المسؤولية, تفتقد الثقة بالنفس, ومفهوم الذات لديها متدن, وأنانية, شخصية تميل للكذب, واختلاق الاعذار, والاهمال.. وعندما تواجه الضغوط النفسية والبيئية, نجدها غير قادرة علي تحمل الإحباط والفشل, والألم النفسي, ولذا يكون طريق الخمر أو المخدرات أو كلاهما بمثابة عملية تعويضية لافتقاد النضج الكافي الذي يساعد علي مجابهة العثرات. ويري المدمن أن المادة المخدرة تقوي لديه الشعور بالشجاعة, وتعطيه إيحاء بأنه قادر علي المواجهة, ومرغوب فيه. ولأن هناك خللا في التركيبة النفسية مثل انخفاض مفهوم الذات( كاره نفسه يري نفسه أقل من الآخرين غير راض عن نفسه), وعدم تقبل الآخرين, والشعور بأن المجتمع ضده, مع الجهل والفقر ينتهي الأمر بالسقوط في مرض اعتياد المادة المخدرة بحثا عن العزلة والانسحاب من المجتمع ومشاكله. وتؤكد أغلب الدراسات المتخصصة أن هناك اضطرابات نفسية قبل الوقوع في الإدمان مثل: الاكتئاب والقلق, والرهاب الاجتماعي( الخوف من مواجهة المجتمع), وقد يكون شخصية مضادة للمجتمع, ترفض القيود والعادات وترفض الخضوع للقوانين, ولا تتعلم من أخطائها ولذا تجد التعاطي ملجأ للهروب من الواقع والعيش في عالم آخر.. فالمادة المخدرة من وجهة نظر المدمن بمثابة عامل مساعد لتخفيف مشاعر التوتر والضيق, ومع الوقت تزداد الجرعة, وتزداد الاعتمادية علي المادة المخدرة, ليعيش المدمن في غيبوبة وتوهان تبعده عن جو التوتر والمشاكل. نهاية القول.. المدمن ليس شخصا مجرما, بل مريض نفسي يحتاج إلي علاج مكثف لإعادة تأهيله, ولتعديل تفكيره السلبي, واستخراج ما بداخله من مكبوتات, وشحنات غاضبة, واندفاعية.....الخ. فهذه السلوكيات تصدر منه دون قصد, وتشعره بالندم. وتجبره علي البحث عن شيء يمنحه الإحساس بأن كل شيء علي ما يرام, وأنه قادر علي المواجهة.. فيلجأ إلي مشاعر كاذبة يوفرها له التعاطي, ليهرب من الواقع.. وحين يقرر الابتعاد عن المخدر يشعر بالخواء, ليعود من حيث بدأ. فلا ذنب للمدمن في تلك المفاهيم الخاطئة التي تكونت بفعل الوقت والجهل, والتربية الخاطئة, أو بسبب ضغوط اقتصادية ومشاكل أسرية.. فكل ما يحتاجه هو المساعدة والمساندة والصبر من خلال توفير البرامج العلاجية اللازمة.