بعدما تم تعليق محادثات جنيف الثالثة قبل أن تبدأ,وبالتالي اعتبار مسار التفاوض متوقفا حتي حين,تتجه أنظار الجميع إلي ساحة المعركة باعتبار أن كل الأطراف المتورطة في حرب بالوكالة في سوريا ستستنفر جهدها وطاقتها القصوي لتغيير معادلات النفوذ والسيطرة الميدانية علي الأرض,وذلك في سياق تعظيم المكاسب وتقليل حجم الخسائر الفعلية لوكلائها لحين اللحظة التي يتم فيها تحديد مستقبل سوريا وربما في المشرق العربي ككل. فبدون شك مثل التدخل الروسي علي خط المعارك العسكرية في سوريا عاملا رئيسيا أسهم في تغيير دفة الأحداث عسكريا وسياسيا خلال الستة أشهر الماضية, وأدي ذلك لإحداث ارتباكات لم تكن محسوبة للقوي الإقليمية الداعمة لفصائل المعارضة السورية( تركيا والسعودية), وهي القوي التي كانت حتي صيف العام الماضي علي مشارف تغيير مهم في موازين القوي علي الأرض,وذلك بفضل تعاونها الذي انصب في النهاية علي توحيد صفوف بعض الفصائل المقاتلة وتوفير الدعم المادي والعسكري اللازم;مما ألحق بالنظام السوري وحلفائه خسائر ميدانية فادحة, وتراجع نفوذه لدرجة مؤثرة. لكن العامل الأهم الأشد تأثيرا علي القوي الإقليمية الداعمة للمعارضة هو الموقف الأمريكي المرتبك والمراوغ تجاه دعم حلفائه الإقليميين وتجاه الأزمة السورية,حيث ترك هذا التراجع مساحات دولية ملأها الوجود الروسي,وكأن تفاهما ضمنيا أملته تحولات البيئة الإقليمية دفعت الولاياتالمتحدة لإعادة التفكير في مسألة بقاء النظام السوري,لكنها أبقت هذه المهمة في عهدة الروس,وذلك دون أن تتحمل أمريكا تبعات الإعلان الصريح عن نيتها, لاسيما أن حلفاءها الإقليميين يشعرون بالخذلان,وتتصاعد من الأساس مخاوفهم بناء علي تحولات السياسات الأمريكية تجاه المنطقة بعدما تم توقيع الاتفاق النووي مع إيران. المهم أن هذا التغيير عطل مسار التفاوض كون روسيا والنظام يشعران بالتفوق لأن النظام تمكن من استعادة بعض من خسائره,والإستراتيجية العسكرية التي تنتهجها قوات النظام وبدعم جوي روسي تعمل في سياق استعادة السيطرة علي المناطق المتاخمة للحدود التركية بما يعني قطع طرق الإمداد عن فصائل المعارضة,ومن ثم فإن القوي الرئيسية الداعمة للمعارضة أمام خيارات صعبة, وتبدو استثماراتها خلال السنوات الخمس الماضية في الصراع في مهب الريح إذا هي لم تطور استراتيجياتها تجاه التدخل في الأزمة بما يحرم خصومها من تحقيق انتصار كبير لن تتوقف مكاسبه عند سوريا بل قد تشمل حيزا جغرافيا أكبر. وإجمالا يمكن القول إن الولاياتالمتحدة بسلوكها الانتهازي لم تعد تكئة يمكن أن تستند إليها القوي الحليفة لبناء إستراتيجية مواجهة في مقابل ما تطرحه إيرانوروسيا في سوريا,وأي من القوي الإقليمية الرئيسية الداعمة للمعارضة السورية لايمكن أن تقوم منفردة بتنفيذ إستراتيجية ناجزة في سوريا,كما أن مجرد دعم المعارضة السورية المناوئة لنظام الأسد عند مستوي معين من التسليح لايحقق تغييرا مهما في معادلة الصراع,كما أنه يؤجل الدفع باتجاه التسوية. لاشك أن دول التحالف الداعمة للمعارضة السورية(تركيا-السعودية) بصدد تداول خطط بديلة لمواجهة نفوذها المتآكل في سوريا,لأنها تدرك أن أي تغييرات في توازنات القوي في سوريا ستعيد ترتيب أوضاع المنطقة كلها,لاسيما أن مشاريع التقسيم تبدو جاهزة من جانب الخصوم في حالة عدم قدرتها علي تطويع الواقع لصالحها,ومن ثم فإن تركيا والسعودية والمتحالفين معهما لا يملكون رفاهية انتظار ما ستفرضه روسياوإيران من مخططات,لكن يبقي السؤال الرئيسي هو طبيعة التحرك السعودي التركي القادم ومداه,هل سنري تدخلا عسكريا مباشرا تحت غطاء محاربة الإرهاب كما أعلنت المملكة مؤخرا؟,أم أن الطرفين سيلجآن لتدخل غير مباشر عبر ضخ مزيد من المساعدات العسكرية بالأساس لأطراف المعارضة حتي تتمكن من الحفاظ علي نفوذها علي الأرض والضغط علي كل الأطراف لتفعيل تسوية تستثني الأسد من الحل؟.