حلت أمس الذكري الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير2011 ومازالت مصر في حالة المخاض تواجه إرهابا يعلمه القاصي والداني يتطلب وحدة الصف لمواجهة التحديات والخروج من مرحلة عنق الزجاجة التي انحصرنا فيها طوال الفترة السابقة. ولكن تأبي الذكري أن تمر دون جلبة من المؤيدين والمعارضين فهذا الفريق يري أنها أعظم ثورة في تاريخ مصر قضت علي الظلم والفساد والاستبداد والتوريث وفي المقابل نجد الفريق الآخر يتهم الثورة بأنها بلا قيادة وغير واضحة المعالم ولامحددة الأهداف وأنها مجرد شعارات ولم تحقق جديدا علي الأرض. وربما يأتي الدكتور حمدي السيد في الوجهة غير المتحمسة للثورة بصفته أحد رموز الحزب الوطني المنحل حيث يقول إن الثورة لم تحقق أي فائدة سوي لجماعة الإخوان بتمكينها من السيطرة علي المشهد والانقضاض علي الحكم. ذهبنا للدكتور حمدي السيد البرلماني الشهير, نقيب الأطباء الأسبق ليروي لنا قصة الساعات الأخيرة في حياة النظام الأسبق ورئيسه حسني مبارك ووساطاته بين النظام والإخوان الذي ظل يحتفظ بصداقتهم لسنوات طويلة قبل قيام الثورة.. وفتح خزائن أسراره في حواره الخاص مع الأهرام المسائي.. ومن هنا كانت البداية: كيف تري مصر قبل25 يناير وبعده ؟ لم أكن من المتحمسين لثورة25 يناير لأن جماعة الإخوان المسلمون استولت عليها فكانت في اليوم الأول حركة محمودة من شباب مصري لاتعجبه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكان يطالب بالتغيير. لكن الإخوان نزلوا في اليوم الثالث؟ نعم وأنا في اليوم الثاني سألت الدكتور عصام العريان في مؤتمر جمعني به في نقابة الأطباء لماذا لم تنزلوا في اليوم الأول من الثورة فقال لي هذا يوم عيد الداخلية وإحنا مش عايزين نزعلهم في يوم عيدهم. أنت تري أن النظام تعامل بحكمة وقتها مع الثورة لكن هناك من يخالفك الرأي ويقول إن هناك مظاهرات تم فضها بالقوة وسقط خلالها شهداء ومصابون؟ اعتبر أن موقف مبارك من الثورة كان كريما ووطنيا لأنه أعطي تعليماته للحرس بعدم المساس بأي متظاهر. وهذا موقف كريم وإنساني عندما تقارنه بأفعال الآخرين كما أن مبارك لم يشترط شيئا عند تنحيه ولم يأخذ طائرته ويذهب للسعودية أو الخليج مثلما فعل زين العابدين بن علي ولم يطلب تعهدات مكتوبة بعدم المحاكمة مثلما فعل علي عبدالله صالح في اليمن وكان يمكنه أن يرحم نفسه من الإهانة التي تعرض لها والمحاكمات وأعتقد أنه عيب كبير علي الشعب المصري ألا يتذكر حسنة واحدة لحسني مبارك. أنت التقيته قبل الثورة بعدة أيام ما الذي دار في هذا اللقاء؟ قبل الثورة بثلاثة أسابيع كنت حاضرا حفل تكريم الدكتور مجدي يعقوب ومنحه قلادة النيل في رئاسة الجمهورية فدعاني مبارك لتناول الشاي معه بعد اللقاء فشكوت له من تزوير الانتخابات في2010 فقال لي: أنا سمعت ماقلته في التليفزيون حول هذا الموضوع وأنا مستغرب إزاي ده يحصل رغم أني كنت مديهم تعليمات بعدم التزوير. وهذا دليل علي أن مبارك لم يكن في الصورة وأن من حوله مثل أحمد عز وزكريا عزمي وصفوت الشريف كانوا يتصرفون بعيدا عن رئيس الجمهورية وقال لي مبارك وقتها كلمة مازلت أتذكرها: علي أي حال اصبر وكله هيتغير. وماذا كان يقصد بهذه الكلمة؟ جلست أفكر في هذه الكلمة كثيرا وكنت أتصور وقتها أنه سيطيح بالمجموعة التي زورت الانتخابات لأنهم أساءوا إليه لأنه كان يريد انتخابات نزيهة ولكنهم للأسف زورها بشكل لم يسبق له مثيل وكان أحمد عز مصمما علي أن يأتي بمجلس99% من نوابه من الحزب الوطني لتمرير ترشح جمال مبارك للرئاسة دون معارضة. وهل تعتقد أن هذا البرلمان كان هو السبب الرئيسي لقيام الثورة؟ أعتقد أنه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير فكانت هناك تراكمات كبيرة موجودة وكانت تنتظر شيئا يسرع بنهاية المشهد فجاءت انتخابات2010 وحققت لهم مايريدون. بالعودة لحديثنا عن الثورة. لماذا وصفت هذه الثورة بأنها ثورة الإخوان؟ لم أقل إنها ثورة الإخوان ولكني قلت إن هذه الثورة ركبها واستفاد منها وانحرف بها الإخوان وكلام عصام العريان الذي ذكرته خير دليل فهم كانوا يقفون مستعدين في25 يناير وظلوا يراقبون المشهد من بعيد وفي اليوم الثالث لما شافوا المتظاهرين قاعدين والشرطة مش قادرة تعمل حاجة نزلوا لاقتناص الفرصة التاريخية التي كانوا ينتظرونها من70 سنة للانقضاض علي السلطة والحكم. وكل الناس بمن فيهم أنا كنا نري أن جماعة الإخوان تضم شخصيات محترمة ومنهم أساتذة جامعة ومثقفين وأن هؤلاء الناس سيحكمون بالعدل. لكن ذلك لم يتحقق؟ بالطبع لم يتحقق فهم قالوا في بداية استيلائهم علي الثورة نحن لا نهدف للحكم وإنما سنجلس ونراقب ونتعلم بحيث نكون جاهزين في الدورة المقبلة للحكم وسوف نظل في الحكم500 عام. لكنهم لم يستمروا سوي عام واحد؟ نعم لأن الله أعمي بصيرتهم واستبد بهم الطمع وخصوصا من الشباب الذين قالوا لا ننتظر لأننا لانعلم ماهو قادم ولابد أن نأخذ الحكم الآن وارتكبوا ما ارتكبوا في عام واحد وبعدما نزلت الناس لتأييدهم نزلت الناس مرة أخري بالملايين في30 يونيو للمطالبة برحيلهم وقام الشعب بلفظهم. ولماذا أنت مصر علي أن الثورة هي التي مكنتهم من القفز علي السلطة رغم أنها كانت ثورة تلقائية خرجت علي الفساد والظلم؟ خرجت علي الظلم لكنها أتت بظلم أكبر وهو ظلم الإخوان الذين ارتكبوا من الظلم في سنة واحدة مالم يرتكبه نظام مبارك في30 سنة ومالم ترتكبه ثورة52 في60 سنة. لكن هذه الثورة أيضا قامت علي الفساد والسياسات الخاطئة للحزب الوطني التي هاجمتها أنت في السابق مرارا وتكرارا. فلماذا أنت غير راض عن الثورة رغم أنها حققت لك ماكنت تريد؟ للأسف هي لم تحقق شيئا وكنت أتمني أن تكون لهذه الثورة قيادة ويكون لديها تصور ولكن للأسف لم يكن لدي أي شخص من الثوار فكرة وتركوا البلد في يد هؤلاء المدربين المحترفين الذين ظلوا ينتظرونها70 سنة. لكن هناك شخصيات مثل الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي تصلح لقيادة هذه الثورة؟ أنا أشك في هذا.. فالبرادعي رغم احترامي له جاء بأفكار خواجاتي ولم يكن يعيش في مصر وكان يتهيأ له أن ما يطبق في النمسا يمكن أن يطبق في مصر. أما حمدين صباحي فأنا أحترمه جدا لكن مع الأسف بقدر ماهو يحمل نوايا طيبة وكونه رجلا سياسيا ومثقفا إلا أن عنده حزب أعرج فيه1210 واحد! ربما هذا يأخذنا لسؤال عن الفرق بين ثورتي25 يناير و30 يونيو من وجهة نظرك؟ كالفرق بين السماء والأرض.. ف25 يناير ربنا هيأ لها الجو أن تكشف لنا حقيقة جماعة الإخوان المسلمون التي صورت لنا طوال الفترة السابقة أنها الأفضل وأنها الأنقي وأنها الأقرب إلي الله. أما30 يونيو فقامت علي هذه المجموعة قبل أن توطد أرجلها فهم كانوا يريدون استبدال كل القيادات الموجودة في الدولة بقيادات إخوانية وفتحوا الكليات العسكرية والشرطة لدخول أبناء الإخوان وجهزوا3 آلاف محامي لكي يصبحوا قضاة ويخرج بدلا منهم3 آلاف مستشار. دعنا نعود للحديث عن الإخوان فقد قيل أنك توسطت بينهم وبين النظام أكثر من مرة حدثنا عنها؟ في أواخر التسعينيات طلب مني الدكتور عصام العريان أن أتوسط للجماعة للجلوس مع النظام والتصالح معه مع استعدادهم لتنفيذ كل الطلبات التي يطلبها النظام فذهبت للدكتور يوسف والي فقال لي مليش دعوة بالموضوع ده وذهبت لكمال الشاذلي فقال لي لا أنا مليش في الكلام ده ودخلت إلي زكريا عزمي فقال لي غير مسموح الحديث في هذا الموضوع. وبعدها طلبت مقابلة حبيب العادلي وكلمت أحد الوزراء لكي يحدد لي موعدا معه وبالفعل ذهبت لوزارة الداخلية وقابلني بشكل جيد فحكيت له ماحدث وقلت له إن هؤلاء الناس يقولون إنهم ليس لهم أي نشاط إرهابي وأنهم يريدون الحديث مع النظام والتفاهم معه. وبماذا رد عليك؟ قال لي: يادكتور ماتتغرش بالكلام ده الناس دول متفقين مع الجماعات التي تحمل السلاح أن بعضهم يتكلم بلسانه والبعض الآخر يتحدث بالبندقية لكن هما في النهاية شيء واحد. وهل تحدثت مع مبارك في هذا الموضوع؟ نعم ذهبت إلي الرئيس مبارك وقابلته وقلت له ماحدث وعرضت عليه رأيي بأن يلتقي مجموعة من القيادات المنتمين أو المدافعين أو المتعاطفين مع الجماعة مثل د.أحمد كمال أبوالمجد ود.محمد سليم العوا ود.يوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وقلت له هؤلاء ناس عقلاء اجلس معهم وتحدث إليهم وشوف هما عايزين إيه. فرد علي روح قابلهم انت فقلت له انا كل يوم معاهم فقال لي خلاص انسي الموضوع ده وماتتكلمش فيه تاني. لكن النظام طلب منك التوسط لديهم في25 يناير؟ نعم حيث أرسل لي اللواء عمر سليمان رسالة مع حمدي خليفة نقيب المحامين الأسبق وطلب مني الذهاب معه للقاء الإخوان وبالفعل ذهبنا إلي مقر الجماعة بمنيل الروضة وقابلونا مقابلة جيدة لكنهم رفضوا تماما الجلوس مع النظام وتضييع الفرصة التاريخية التي جاءتهم وعدنا أنا وحمدي خليفة نجر أذيال الخيبة. ومن هي أبرز القيادات التي كنت تتحدث معها؟ كنت قريب جدا من المرشد الأسبق محمد مهدي عاكف لأن علاقتي به قديمة وكنت أتحدث دائما مع عصام العريان ومحمد البلتاجي وعبدالمنعم أبوالفتوح وآخرين. وهل حاولت التوسط بينهم وبين النظام بعد30 يونيو؟ لا والحقيقة أنه بعد30 يونيو جاءني حالة من الإحباط الكامل لأنني خدعت علي مدي سنوات طويلة في الإخوان الذين كانوا يؤكدون لي دائما ان نواياهم طيبة واستطاعوا خداعي طوال كل هذا الفترة. وكيف تري إذا من يتحدث عن مصالحة مع الإخوان رغم استمرار العنف والعمليات الإرهابية ؟ أنا أري أن الإخوان بتصرفاتهم وإصرارهم علي المشاركة في عمليات الإرهاب والتدمير والتعاون مع تركيا وقطر حرقوا كل مراكبهم وبذلك أصبح هناك رفض كبير من المواطنين لعودتهم بأي شكل من الأشكال. إذا المصالحة مستحيلة من وجهة نظرك؟ نعم مستحيلة وخاصة في الوقت الحالي. ومستقبلا؟ مستقبلا إذا غيرت الجماعة أيدلوجيتها واكتفت بالعمل الدعوي والمواقف الوسطي في هذه الحالة يمكن العودة. وهل مازالت علاقتك بعبدالمنعم أبوالفتوح مستمرة؟ منذ25 يناير وحتي الآن لم نتحدث سوي3 مرات فقط من ضمنهم مرة كان يدعوني فيها للانضمام لحزبه مصر القوية إلا أنني رفضت. أيضا كان لك اتصال بمحمد مرسي ووصفته ذات مرة بأنه محدود التفكير؟ نعم كانت تربطني علاقة بمحمد مرسي عندما كان عضوا بمجلس الشعب وفي أيام غزو أمريكا للعراق جاء لي وقال لي إحنا عايزين نعقد مؤتمرا كبيرا نعلن فيه احتجاجنا علي هذا الغزو فوافقت وجمعنا وقتها مليون شخص وكنا نقابل مسئولين في أمن الدولة واكتشفت أنهم يعرفوه وعلي تواصل معاه ويومها اللواء صلاح سلامة رئيس الجهاز قال له يادكتور إحنا كنا عايزينك تعمل كذا وكذا ومتعملش كذا. فرد عليه مرسي لا أنا معملتش وبعدها كل مانيجي نعمل حاجة يقولي نشاور أمن الدولة الأول فعرفت وقتها أنه رجل طيب محدود التفكير. وهل كنت علي اتصال معه بعد تولي الرئاسة؟ لم أذهب إليه ولا أتصل به ولاحتي هنأته بالرئاسة ولكن تم منحي وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولي وقبلها أخذت جائزة مبارك وقبلها جائزة من الرئيس السادات وكانت هذه المرة الوحيدة التي قابلته فيها ولما شافني قال لي انت فين ومش بتسأل ليه فقلت له مين ال يسأل علي مين فقال لي طيب إبقي تعالي أنا عايز اشوفك ولم نتكلم بعدها مرة أخري. دعنا نعود للانتخابات مرة أخري فقد قلت إن عز زور الانتخابات تمهيدا لترشيح جمال للرئاسة دون معارضة. فهل كان هذا برضاء مبارك نفسه؟ لا أعتقد.. فمبارك لم يشرك في هذا الأمر والدليل قوله لي أنا قولتلهم مفيش تزوير وكان لا يدري أن الانتخابات كلها تمت بالتزوير. تقصد أنه لم يكن يحكم؟ نعم لم يكن يحكم خلال السنوات الأخيرة وأقنعه من حوله بأن يكتفي بالاتصالات الخارجية ومقابلة الوفود ورؤساء الدول. إذا جمال كان يحاول الانقلاب علي والده والانفراد بالسلطة حتي في حياته؟ لا أعتقد ذلك فجمال لم يكن شريرا ولكنه كان يتدرب علي الحكم. ومن كان يدربه؟ أحمد عز هو العقل المدبر له سياسيا وهو مثقف جدا ورجل تنظيمي من الدرجة الأولي. وهل مارست سوزان مبارك ضغوطا لتوريث جمال الحكم؟ لا أعرف ذلك لأنني لم أعرف سوزان مبارك إلا من النواحي الاجتماعية والخدمية التي كانت تقوم بها. وماذا عن الصراعات بين الحرس القديم والجديد في الحزب الوطني بخصوص التوريث؟ لم أر هذا الصراع وأنا شخصيا لو كنت موجودا أثناء ترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية كنت سأمنحه صوتي فهو مدرب جيدا علي الرئاسة وغاص في مشكلات البلد لسنوات طويلة وكان يشارك في إعداد التقارير ويستمع لكبار المتخصصين وكان عنده لجنة سياسات فيها أفضل علماء مصر في كل التخصصات. وهل تعتقد أن ائتلاف دعم مصر سيكون مثل الحزب الوطني في البرلمان ؟ هذه مقارنة ظالمة فأغلبية دعم مصر اختلفت من بداية الجلسات و رأينا الكثير من النواب لايلتزمون برأي الائتلاف أما الحزب الوطني فكان له نظام محكم.