عندما يأتي ذكر كلمة الإعلام فأول ما يتبادر إلي ذهن القارئ العادي أو المواطن البسيط هي تلك البرامج الحوارية المتعددة التي يظهر فيها المذيعون أو مقدمو البرامج علي شاشة التليفزيون مصطحبين ضيوفا في تخصصات مختلفة ليقوموا بقراءة وتحليل الأحداث الجارية, أو يقوموا منفردين و متفردين بهذا العمل كاملا بداية من قراءة خبر أو عدة أخبار يتلو ذلك إسباغ آرائهم الشخصية أو تحليلاتهم وإرسالها إلي اذان وعقول المشاهدين باستخدام تعبيراتهم الخاصة ومفرداتهم المتميزة, فقد انحصرت هنا وظيفة الإعلامي في شخصية المذيع أو مقدم البرامج, و لسبب ما أصبح مجموعة من المذيعين نجوما في هذا الوطن المنفتح حديثا علي آفاق من الحرية لم يكن له قبل بها قبل ذلك. وعلي اختلاف تخصصاتهم الأصلية فمنهم الطبيب والمحامي والصحفي والكاتب والمراسل والعسكري, وعلي اختلاف مرجعياتهم السياسية والثقافية, تحولت أسماؤهم وحياتهم إلي مثار اهتمام العامة, وخاصة بعد أن أصبحوا في مصاف نجوم السينما والتليفزيون والفن الذين تستعين بهم الإدارة لتبسيط رؤيتها وإيصالها لعامة الشعب عبر الأعمال الدرامية واللقاءات التليفزيونية. إلي هنا والأمر في نطاق العادي, فلا شك أن شعبا غالبيته من طبقات لم تتحصل علي قدر كاف من التثقيف والتعليم يجب أن يكون لديه من الشخصيات التي يقتدي بها في تشكيل آرائه واتجاهاته وأنسب قدوات هم الشخصيات العامة. ولكن لسوء حظ هذا الشعب ان تتحول هذه الشخصيات إلي كائنات لا تري إلا مصالحها الشخصية وتوجه آراءها حسب ما تقتضيه المصلحة وتثبته بالقول في منطقته الشخصية. في الوقت الذي كان من المفترض أن يدعم الإعلاميون المتمثلون في مقدمي البرامج- وهم الذين علي تواصل مباشر مع الشعب, أن يدعموا فكرة التعايش مع الاختلاف الفكري والديني والسياسي والثقافي, طبقا للتكوين الفعلي للشعب المصري و الذي تتأصل فيه جذور هذا الاختلاف, سقط غالبيتهم في هوة عدم قبول الآخر أو الاستماع إلي رأي مخالف, فحولوا منصاتهم الإعلامية إلي منصات تقاذف الاتهامات والتخوينات, و أصبح كل منهم يري في نفسه الصواب المطلق وهو الوحيد القادر علي بث الرأي الصحيح في مسائل الوطن والمواطنين, فحمل علي عاتقه مهمة اصطياد أخطاء زملاء نفس المهنة, وتسفيه الرأي الآخر والتشهير بمن لا يجد له خطأ مهني اعتمادا علي أخطاء شخصية في حياة خاصة قد لا تهم المواطن كثيرا, وبالتالي تحولت شاشات التليفزيون من منصات تثقيف إعلامي وسياسي وفكري إلي مصاطب ردح وتشهير وإسفاف, كل طرف لا يستهدف إلا زيادة أعداد مشاهديه لترتفع حصيلة الإعلانات ويعلو نجمه ويتردد اسمه, لا يعبأ في ذلك إن كان ما يقدمه من فيديوهات وصور وألفاظ خارجة وخادشة للحياء تمت بصلة للمهنية أم لا, وتحول المشاهد من متلقي للمعلومة إلي منتظر لما ستسفر عنه تلك المواجهات والتراشقات الكلامية. لم يدركوا في لحظة أنهم قد أصابوا مهنة الإعلام في مقتل فأفقدوها مصداقيتها وحرفيتها وهي المهنة الأسمي التي كانت يجب أن تنأي عن كل هذا الهراء, فهل من سبيل لتدخل ذوي العقول الراجحة لوقف هذه المهزلة أو تدخل السلطات لوقف كل من أساء لمهنة الإعلامي؟ وهل نأمل أن تظهر في الفترات القادمة أجيال من الإعلاميين يعون بشكل خاص خطورة منصاتهم ومناصبهم علي توجيه الرأي والذوق العام؟.. نرجو ذلك. [email protected]