لا أدري كيف لرجل في مكانة اللواء سامح سيف اليزل أن يخونه ذكاؤه لهذه الدرجة, حتي يسعي لتشكيل جبهة لدعم الدولة في البرلمان, ولا أنكر بالطبع أن وراء المبادرة دافعا وطنيا في حب مصر إلا أن الطريق لجهنم مفروش بالنوايا الحسنة, وهذه المبادرة ستسئ للدولة المصرية والنظام أكثر مما تدعمهما, ورغم حسن نوايا القائمين عليها إلا أنها تسئ لمعني وهدف ووظيفة البرلمان في مراقبة الحكومة وتشريع القوانين, فبديهي أن البرلمان يدعم الدولة, لكن المبادرة تفترض وجود نواب خونة وتوجه لمن يرفض دخول الائتلاف اتهاما ضمنيا بأنه يعمل ضد الدولة, وهو ما سيحدث شرخا في البرلمان فيتعثر في أولي خطواته, العالم يقول علينا إيه؟ الدولة عملت برلمانا واشترت اللي نجحوا فيه؟! جميعنا يعلم أن الشعب كان متخوفا من عرقلة البرلمان لخطط التنمية التي وضعها الرئيس,ولكن مادمنا خطونا الخطوة,فاعتقد أنه من الأفضل ألا نكرر أخطاءنا التاريخية التي قتلت الديمقراطية في مهدها من قبل,وأن نترك التجربة تكتمل لتفرز معارضة متزنة وتصقل مهارة النواب من خلال نزال تشريعي غير سابق التجهيز يؤدي لتربية كوادر برلمانية وحزبية حقيقية,وأيضا ليشاهد الشعب نماذج جادة لمناقشات البرلمان,الأمر الذي يؤدي بالتدريج لمحو الأمية البرلمانية للنواب الجدد,وأيضا لرفع وعي الشعب الذي سيتابع حتما الجلسات لتقييم أداء النواب الذين وضع بهم ثقته,فدون هذه الخطوات لن يكتمل وعي المواطن ولن تكتمل التجربة الديمقراطية وسنظل ندور في حلقة مفرغة من التمثيليات البرلمانية السخيفة التي جرفت الساحة السياسية من الكوادر الواعية. صحيح أني غير راضية تمام الرضا عن المجلس,ولكن مادام الشعب قد اختار,فقد أصبحنا أمام أمر واقع ولا نملك إلا متابعة الوليد الجديد لنكتشف أي تشوهات تظهر ونحاول علاجها,ومع ذلك أرفض تدجين النواب قبل خوضهم التجربة خاصة مع قلة وانعدام خبرة معظمهم,مما يعد مشكلة حقيقية,إلا أنها أيضا تعد ميزة,لأن الأغلبية لن تكون محملة بإرث ثقافي واجتماعي عن مهمة نائب الخدمات التي فتحت أبواب الفساد. فقلة الخبرة تلك ستمنح للبرلمان زخما وحيوية,صحيح أن الخبرة مهمة,لكن الأهم الآن هو ما يملكه النواب من رؤية وانتماء وإعلاء لمصلحة الوطن ومدي إدراكهم أنهم بمجرد دخولهم البرلمان فقد أصبح انتماؤهم الأول للشعب والوطن وليس للحزب, فهذا المجلس يفتقد ترف المهاترات والبحث عن المكاسب,ونوابه يعلمون جيدا أن انعقاده لا يعني أنهم تمكنوا من الدولة,فهناك شعب يتربص وربما يتلكك لاصطياد أخطاء الأعضاء ليطالب بحل البرلمان,ويدركون أيضا أن الشعب كان زاهدا في المجلس,وأن كم التخوفات منه كانت أكثر بكثير من دوافع انتخابه, ولكن للأسف..فنحن لا نملك ترف حل المجلس مرة أخري,وليس أمامنا إلا دعم وتقويم المجلس ليقوم بدوره,حتي يصبح الشعب رقيبا عليه ليحمي النواب من أنفسهم ويحمي المجلس نفسه من الإصابة بالأمراض الحزبية, ومع ذلك فلا يجوز أن نفقد المجلس مضمونه ونبدأ بفرض الوصاية علي النواب لضمان أغلبية لدعم الدولة,فالدولة أيضا تحتاج للتجربة حتي تكتسب مناعة حقيقية وتبني مؤسساتها علي أسس قوية ولتصبح أكثر ثقة في التعامل مع العالم الخارجي,فما يحدث هو عملية إجهاض مبكر لتجربة وليدة قد يكتب لها النجاح لو كنا أكثر وعيا وحرصا علي اكتمالها بدلا من التدخل لتوجيهها في اتجاه معين,وبالتأكيد ستكون مخاطر هذه المبادرة أكثر من فوائدها,لأنها ستحرم الشعب من استكمال نضجه السياسي وستحرم النواب من اكتساب الخبرة التي يكتسبونها من التجربة والخطأ,وتهز صورة الدولة وتضلل الشعب في تقييمه لأداء النواب,فأرجو من القائمين عليها أن يفكروا جيدا,فكلنا نهيم في حب مصر,ولكن يجب ألا نكون كالدببة عندما تعشق,فتقتل صاحبها بحجر لتهش عن وجهه الطيور.