من بين أخبار الأسبوع الماضى التى تدعو للتفاؤل، إعلان أكثر من مصدر داخل جبهة الإنقاذ الوطنى المعارضة، أن الجبهة سوف تخوض الانتخابات البرلمانية القادمة فى كل الدوائر، وبقائمة موحدة، بحيث لا يتنافس مرشحوها سواء على القائمة، أو على المقاعد الفردية. جاءت هذه التأكيدات فى تصريحات لعدد من أقطاب الجبهة من بينهم الدكتور «سيد البدوى» و«عمرو موسى» والدكتور «محمد البرادعى» والدكتور «عمرو حمزاوى». وهذا الاتفاق هو قراءة صحيحة للأخطاء التى وقعت فيها الأحزاب والقوى الديمقراطية فى انتخابات مجلس الشعب، والانتخابات الرئاسية التى جرت كلها فى النصف الأول من هذا العام. وفيما عدا ائتلاف «الكتلة المصرية» الذى تشكل فى اللحظات الأخيرة، على أعتاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وضم عددا من تلك الأحزاب، فقد خاض معظم مرشحى هذه الأحزاب المعركتين الانتخابيتين متنافسين، أو على الأقل بدون تنسيق فيما بينهم البعض، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التى مكنت التيارات الفاشية الدينية من الحصول على أغلبية مقاعد مجلس الشعب، وعلى منصب الرئيس، فاستغلتهما أسوأ استغلال لفرض هيمنتها على الدولة والمجتمع، وما يتصل بذلك من السعى لاستئصال المختلفين، وتقريب الأنصار والموالين، واستخدامها الجمعية التأسيسية للدستور من أغلبية تنتمى إليها، قامت بإعداد دستور يعبر عن رؤاها القاصرة، ويصادر الحريات التى ضمنتها كل الدساتير المصرية السابقة، ومكنتها من أن تختار لإدارة الدولة على أساس أهل الثقة وليس أهل الخبرة، مما أدى إلى تدهور الأوضاع العامة، تدهورا غير مسبوق، وإلى استحكام الأزمة الاقتصادية إلى مدى ينذر بالخطر. وعلى عكس ما كان عليه الحال فى الانتخابات التى جرت قبل ذلك، فإن ائتلاف الأحزاب والقوى الديمقراطية، أصبح فى موقف أفضل بكثير من أى وقت من الأوقات منذ نشوب ثورة 25 يناير. فقد اكتسبت أحزاب الائتلاف خبرة تنظيمية، ونجحت إلى حد معقول فى أن تحشد من حولها نسبة ذات ثقل من الجماهير الشعبية التى أفاقت من وهم القداسة التى أضفتها التيارات الفاشية الدينية على نفسها، كما برزت من بينها قيادة جماعية ذات جاذبية خاصة، وذات ثقل ومصداقية لدى المواطنين، واكتسبت خبرة تنظيمية تؤهلها لكى تقود المعركة بكفاءة أكثر، خاصة إذا ما جنبت الخلافات الثانوية بين أطرافها، وتصدت بحزم لمحاولات الوقيعة بين اعضائها، والمساعى المحمومة لخصومها لفرط عقدها، إن بالإغراءات أو بالتهديدات، وفبركة القضايا الملفقة لقياداتها، هذا فضلا عن أن شعبية التيارات الفاشية الدينية قد تراجعت بدرجة ملحوظة، تكشف عنها الأرقام التى حصل عليها الاستفتاء الأخير، الذى لا يتجاوز عدد من وافقوا عليه سوى نحو 20% فقط من المقيدين فى جداول الانتخابات، كما أن النسبة التى حصل عليها مرشحها فى الانتخابات الرئاسية، لم تتجاوز ما حصل عليه منافسه فى المرحلة الأخيرة، بل وتقل بشكل ملحوظ عن نسبة ما حصل عليه مجمل المرشحين الديمقراطيين فى المرحلة الأولى من الانتخابات. وخوض أحزاب المعارضة الديمقراطية للانتخابات بقائمة مؤتلفة تنافس فى كل الدوائر، وإن كان قد لا يؤدى بالضرورة إلى هزيمة ساحقة للتيارات الفاشية الدينية، فسوف يكون بغير شك عاملا مساعدا فى تحجيم نفوذها، بحيث لا تحصل على الأغلبية الكاسحة من مقاعد المجلس التشريعى، وتحد من قدرتها على مواصلة سياستها الحمقاء التى تتصرف فى البلد وكأنها عزبة ورثتها عن السلف الصالح، كما يتيح فرصة للتحالف الدينى الحاكم للحد من سياسات الاستئثار والهيمنة والسعى للإقصاء التى يمارسها، وتقييد أخطائه الكثيرة، بما يفتح الباب لبرلمان متوازن، يعكس شراكة وطنية حقيقية، تقوم على اعتراف الجميع بالجميع، وإقرار الجميع بحق الجميع بالاختلاف عنهم، وممارسة الصراع السياسي بعيدا عن النفخ فى نيران التعصب الدينى والمذهبى، والمتاجرة بالدين فى أسواق السياسة، التى يمكن أن تهدد وحدة الوطن، ومصالحه، وتشعل نيران الفتن الطائفية، والحروب الأهلية. وربما كان من الصعب فى ضوء ما يجرى الآن، أن يتصور أحد أن هذه التيارات التى تفترض العصمة فى نفسها، والتى لم يكن لها فى أى يوم من الأيام صلة بالديمقراطية كممارسة وكفكر، والتى تعتبر الديمقراطية مجرد سلم تصعد عليه إلى السلطة، ثم تلقى به أدراج الرياح، حتى لا يصعد أحد غيرها عليه، أو يتداولها معها، يمكن أن تتعلم من التجارب، ولكن لا مفر أمامنا من خوض المعركة ضدها، حتى تعود إلى رشدها، وتعرف أن الديمقراطية قد أصبحت قدر كل الشعوب، وأن الشعب المصرى لن يرضى بديلا عنها طريقا لتقدمه، واندماجه فى شئون العصر، وأن مصر ستتحول، شاء من شاء وأبى من أبى إلى دولة ديمقراطية طبقا للمعايير الدولية المعروفة وأن الخاسرين فى هذه المعركة هم الذين يصرون على المراهنة على الجانب الآخر من التاريخ. وفى هذا السياق على هؤلاء أن يتنبهوا إلى أن محاولة استغلال الفترة الانتقالية، لاستصدار القوانين المكملة للدستور من مجلس الشورى هى مغامرة محفوفة بالمخاطر لا يجوز لهم القيام بها، ولا استصدار هذه التشريعات من مجلس، لم ينتخبه سوى 7% فقط من المصريين، ولايزال الطعن فى دستورية القانون الذى انتخب على أساسه قائما ومنظورا أمام القضاء، بصرف النظر عن تحصين الدستور له، والذى يحوز التحالف الحاكم 70% من مقاعده، ويفتقد معظم أعضائه للحد الأدنى من الكفاءة لإصدار تشريعات بهذه الخطورة، والإقدام على تلك الخطوة سيكون حماقة لا تقل عن حماقة سلق الدستور وسلق الاستفتاء عليه، وإدخال البلاد فى نفق مظلم. إن كل ما هو مطلوب من مجلس الشورى، هو بالتحديد ما وعدت به الرئاسة الذين يتحاورون معها هذه الأيام، أى أن يقتصر على إصدار القوانين الضرورية التى تسير أمور البلاد، خلال فترة انتخابات مجلس النواب، وأهم هذه القوانين هو القانون الخاص بمباشرة الحقوق السياسية، وقانون انتخابات مجلس النواب، اللذان لا يجوز أن يناقشا بعيدا عن الاتفاق بين كل الأحزاب والتيارات السياسية، إذا كان التحاف الحاكم جادا فى أن يخرج البلد من أزمتها. لكل هذه الاسباب ولغيرها فإن تماسك جبهة الإنقاذ، وائتلافها الانتخابى لم يعد ترفا، بل ضرورة وطنية، وضوءا ساطعا فى ظلام دامس.