وصفت مجلة فورين أفيرز الأمريكية الحرب الدائرة في سوريا الآن, بأنها حرب بالوكالة لعبت التصدعات الكبري في المنطقة دورا كبيرا في اشعالها, خاصة في ضوء الصراع السني الشيعي الممثل في المملكة العربية السعودية من جهة وايران من جهة اخري. واوضحت المجلة في مقال للكاتب ليونيل بيهنر أن وصف المعركة في سوريا بأنها حرب بالوكالة, يبدو سهلا, في ضوء انتشار الصواريخ أمريكية الصنع المضادة للدبابات, التي وجدت طريقها إلي أيدي المتمردين السوريين, والمقاتلات الروسية التي تضرب هؤلاء المتمردين, وتزود نظام بشار الأسد بأنظمة صواريخ مضادة للطائرات. وتري فورين افيرز أن الصراع السني الشيعي في سوريا, لم يكن ليحل الا عن طريق أطراف خارجية, تطوي خلافاتها عند جلوسها حول الطاولة, لكن ذلك لا يعني أن هذا الصراع يمثل في حقيقته لعبة عالية المخاطر, خاصة وأن تاريخ الحروب بالوكالة يثبت ان هذه الحروب لا تتوقف بمعجزة, دون بذل قدر من المحاولات العملية لإقرار السلام بين المقاتلين المحليين, أو إحداث تحول جوهريا في ميزان الصراع علي السلطة علي أرض الواقع. يستحضر مصطلح الحرب بالوكالة صورا من فترات الحرب الباردة, عندما تعاملت القوي الخارجية تحديدا الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي, وأيضا بعض اللاعبين الإقليميين مع المقاتلين المحليين كرهائن علي رقعة الشطرنج الجيوسياسية, ففي السبعينيات والثمانينيات, أصبحت صراعات حرب العصابات في أمريكا اللاتينية هي صراعات فعلية بين الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدة, وسبقتها الحروب في أنغولا وتشاد وفيتنام, وقد كان غير وارد حينها, أن واشنطن وموسكو ستتشابك بحرب بالمفهوم التقليدي. وان كان من الصعب في وقتنا الحاضر تصور دخول الولاياتالمتحدةوروسيا في حرب. وتقول فورين افيرز ان حرب الوكالة تنشب فعليا, عندما تزيد تكاليف الحرب بمفهومها التقليدي بين دولتين, وهكذا فإن قوات المتمردين السوريين المدعومة من حزب الله, والأخري التي نصبت نفسها تحت اسم الدولة الإسلاميةISIS, يمكن أن تكون عثرة. تنشب الصراعات بالوكالة حسبما تقول المجلة الامريكية بالدول الضعيفة أو الفاشلة ذات الحدود التي يسهل اختراقها, حيث تفتقر هذه الدول الهشة للوسائل الإجبارية التي تستطيع عن طريقها إخماد التمرد, دون الحاجة للدعم الخارجي. تصف المجلة الأمريكية نظام الأسد بأنه يمثل الحصن العلماني الاخير ضد السنة المتعصبين, مشيرة الي أن ذلك الوضع لعب دورا كبيرا في نجاحه, في جذب الدعم العسكري من روسياوإيران, لكنه تقول ان الأسد بالغ بعد إصابته بسلسلة من النكسات العسكرية في عام2012, ونجح في إجبار روسياوإيران علي إرسال المزيد من الأسلحة والأموال, وحتي جنود المشاة إلي سوريا. ولكن مثل هذه الأسلحة كانت تستهدف محاربة المسيحيين والأكراد, والجهات الفاعلة المحلية الأخري. في الوقت الذي نجح فيه ما تصفهم بالثوار السوريين في تأمين تدفق ثابت للأموال والأسلحة, وغيرها من المساعدات من الخليج, عن طريق إحكام صراعهم داخل المشهد الأكبر للصراع الطائفي في المنطقة. سواء كانت حربا بالوكالة أم لا, فإن الجزء الأكبر من القتال في سوريا حسبما تري فورين افيرز لا يدور حول توازن القوي في المنطقة, فمعظم المقاتلين( بإستثناءISIS) يحركهم ضيق الأفق, ودافع الانتقام وتغيير النظام, وليس الدين أو القضايا الإقليمية الكبري. ويقول محرر المقال: أخبرني سائق سيارة أجرة من حلب, أن الزيارات الليلية للشرطة السرية والرشاوي هي التي دفعته للانضمام إلي المعارضة, وقد قال لي ذات ليلة لقد أصبح الوضع لا يطاق من كثرة الفساد, كان الجميع علي وشك الانفجار وكنا لا نثق بأحد. يمكن لبعض الحروب أن تستمر إلي أجل غير مسمي. حتي مع القليل جدا من الموارد عن طريق جلب الأسلحة المتطورة أو التمويل الخارجي وملء خزائن طرفي الصراع, فالحرب الأهلية في الصومال لم تتوقف علي الرغم من عدم رعاية القوي الكبري. وكذلك التواجد المتقطع لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة, لذا فمن الصعب تصور تسليم مختلف الفصائل في سوريا لأسلحتهم حتي في غياب تدخل طرف ثالث أو اتفاق لإقرار سلام شامل. لقد شددت الولاياتالمتحدة علي ضرورة عقد مباحثات سلام, سواء التي أقيمت في جنيف وحاليا في فيينا, للتباحث بشأن الوضع في سوريا, علي الرغم من أن مثل هذه المحادثات قد تمثل أمرا ثانويا لمعظم المقاتلين السوريين, وببساطة, فإن الحرب لن تنتهي بجلوس هؤلاء اللاعبين علي الطاولة, ربما سينتهي الامر الي بعض الاستقرار المشوه مع إنتصار أحد الجانبين, فالمتمردون من جهة يريدون تغيير النظام, ومعظم المدنيين يريدون الحصول علي المزيد من الحقوق والعودة إلي ما يشبه الحياة الطبيعية, لذا فانه حتي لو استطاع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري واقعيا التوصل إلي اتفاق يوافق فيه السعوديون, والقطريون والإيرانيين والروس, علي التخلي عن تقديم كل الدعم المستقبلي لفصائلهم في سوريا, فقد يتوقف العنف بعض الشيء, لكن الحرب لن تتوقف بين عشية وضحاها, لأن أسبابها الجذرية ممتدة, في انتشار الفساد المحلي وانعدام الحريات السياسية وغيرها من الأسباب المعقدة للغاية. تبدو سوريا كما يري العديد من المحللين, الجبهة المركزية في حرب أكبر, وهو ما يطرح السؤال المهم: هل يكون الصراع الروسي الأمريكي في سوريا, هو المعركة الأخيرة في الحرب الباردة؟ هذا النمط من التفكير يتجاوز حسبما تري فورين افيرز كل الرهانات الأمريكية والروسية في النزاع, فروسيا مدفوعة جزئيا بمكافحة الإرهاب, تخشي تدفق الإسلاميين المتطرفين عبر حدودها بجنوب القوقاز, لذا فان سقوط نظام الأسد يعني علي نحو مباشر ان يتأثر الأمن الروسي الخاص, ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن الولاياتالمتحدة, التي ترتكز مصالحها الرئيسية علي إضعاف إيران, وحماية إسرائيل, ومنع سوريا من أن تصبح نقطة انطلاق لشن هجمات جهادية دولية. إذا فاز الأسد وروسيا لن يبدو موقف الولاياتالمتحدة في المنطقة, سواء جيوإستراتيجيا واقتصاديا, مختلفا كثيرا عن العام2010, فإذا فاز الثوار, ستكون سوريا أقل تأييدا لإيران وأكثر إغراءا للجهاديين, لكن الدول الضعيفة الأخري في المنطقة سواء اليمن, أو العراق ستفي بالغرض.