هل يريد ديفيد كاميرون, حقا, دق رأس الحية؟.. يقول رئيس الوزراء البريطاني وأنصاره, المتزايد عددهم, الذين يقرعون طبول الحرب بحماس إنه لا بديل, للقضاء علي تنظيم داعش, سوي ضربه في مدينة الرقة السورية, معقله الرئيسي. ويقول هؤلاء أيضا إن الأسلحة البريطانية الدقيقة سوف تساعد بدرجة هائلة حملة الحلفاء علي التنظيم المتطرف. ولهذا يجب أن يقر البرلمان خطة كاميرون بشأن مشاركة بريطانيا في الحرب الجوية علي داعش في سوريا, وإلا لن تشعر بريطانيا بالأمن. أصوات التشجيع الهادرة, في البرلمان وخارجه, لم ترهب معارضي الحرب أو توهن فيهم الشجاعة لطرح أسئلة مشروعة عما إذا كان كاميرون يريد فعلا دق رأسداعش. يصرخ الروس, وغربيون كثيرون, منذ زمن محذرين: ما لم تقطع شرايين الحياة عن داعش, فإن أي حرب لن تجدي مهما يكن ذكاء قنابلها أو دقة طيرانها في التصويب.حينها شككت بريطانيا في دوافع الروس. الآن يسمعها كاميرون بنبرة عالية من داخل بريطانيا: تراجع عن لعبةالحربالخطرة, وتخل عن النفاق, وأوقف تمويل داعش لو أردت دق رأسه. عندما رأي المعارضون نذر الحرب فوق رءوسهم, صرخوا يوم السبت الماضي, في مظاهرة أمام مقر كاميرون: يجب أن تكون هناك وقفة من حلفائك في الخليج الذين يمول بعضهم, ويغض بعضهم الآخر الطرف عن تمويل داعش. البداية الحقيقية للتعامل مع داعش هو أن يوقف حلفاء القوي الغربية( في المنطقة) دعمهم ومساندتهم له, ينصح تحالف أوقفوا الحرب, الذي بعث أخيرا برسالة توسل مفتوحة بهذا المعني إلي كاميرون وقع عليها عشرات من الشخصيات السياسية والفنية والفكرية وقادة نقابات العمال في بريطانيا, لإقناعه بأن يكف عن ممارسة لعبة الحرب. يستهزئ معارضو الحرب بموقف تركيا التي يلعن قادتها داعش في كل مناسبة. وتبين لهؤلاء صدق تنبيه الروس إلي مئات الملايين التي يجنيها التنظيم من بيع بترول العراقوسوريا إلي تركيا وإسرائيل. وبلغ غضب معلقين روس حد السخرية من موقف أجهزة استخباراتهم لأنها لم تفضح بالأسماء والصور الشخصيات الضالعة في صفقات البترول مع داعش. ولكنهم يثنون, في الوقت نفسه, علي حملات جوية روسية تستهدف قوافل البترول لأنها تضرب داعش في جيبها. تحالف أوقفوا الحرب أسمع كاميرون ما يحاول أن يصم أذنيه عنه: تركيا, عضو الناتو والحليف الغربي, أعطت دعما لوجستيا رئيسيا لداعش في أوقات مختلفة, ما سمح له أن يبيع البترول عبر الاراضي التركية ويوفر شريان حياة رئيسيا( للتنظيم). وتقول تقارير إن داعش تجني ما بين مليون و3 ملايين دولار يوميا من صفقات البترول. وفي شهر أغسطس2014 اتهم السياسي الألماني جيرهارد مولير قطر بتمويل داعش.وفي شهر أكتوبر التالي أجري كاميرون, كما قالت تقارير لم تنفها الحكومة البريطانية, مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمدشملت المزاعم التي تقول إن جانبا من الميزانية المخصصة لاستعدادات استضافة كأس العالم2022 في قطر تحول إلي داعش. وتشير التقارير من حين لآخر إلي ضلوع شخصيات قطرية مهمة في دعم التمويل بالمال والسلاح. في السعودية أيضا يوجد أحد مصادر تمويل داعش, كما يقول معارضو الحرب في بريطانيا.ولم يربط أي منهم هذا التمويل المشار إليه بنظام الحكم بالسعودية, بل تشير أصابع الاتهام إلي شخصيات رئيسية نافذة في المملكة, التي يقدر حجم التمويل المتدفق منها إلي التنظيم ب4 مليارات دولار في إطار دعم الجهاد السني ضد الشيعة. ويتفهم السياسيون البريطانيون أن السعودية, والخليج عموما,أكبر سوق للأسلحة البريطانية والغربية, غير أنهم يدعون, بإصرار, إلي الانتباه إلي المخاطر علي أمن بريطانيا ومصالحها في الشرق الأوسط. وبسبب هذه المخاطر, ينصح اللورد أشتون, زعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين السابق كاميرون بأنه من الضروري أن يعالج دور دول خليجية مثل السعودية وقطر, لو أراد لاستراتيجية التدخل في سوريا أن تنجح. وأضاف السياسي أنه مالم تجر بريطانيا تحقيقا بمعني الكلمة في تمويل الجهاد, فإن هذا يجعلني أقلق بشأن العلاقة الوثيقة بين حزب المحافظين( الحاكم في بريطانيا الآن بزعامة كاميرون) وأفراد خليجيين عرب أثرياء. ويتساءل السياسيون البريطانيون المنتقدون لسياسات دول الخليج تجاه الحرب علي التطرف: لماذا لم تعد الطائرات السعودية تشارك منذ شهور في الحملة الجوية والتحالف الدولي بقيادة أمريكا علي داعش في سورياوالعراق؟ ولماذا فعلت قطر الشيء نفسه منذ أكثر من عام؟ عندما رفضت لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني سعي كاميرون للحرب في سوريا لأنه لايملك استراتيحية دولية محكمة متماسكة, رد رئيس الوزراء قائلا: إن لدي التحالف الدولي هذه الاستراتيجية الشاملة التي تشملقرار مجلس الأمن رقم2199 بشأن تقييد تمويل داعش. غير أن صمته المثير للتساؤلات بشأن التقارير, التي أصبحت كأنها حقائق في بريطانيا, عن استمرار التمويل الخليجي, يزيد الشكوك في دوافع هذه الاستراتيجية المزعومة.بل إنه في المراجعة الدفاعية والأمنية الاستراتيجية الأخيرة, كرر اسم داعش25 مرة, مشيرا إلي خطره الذي يفرض إعادة بناء قوة بريطانيا العسكرية.لكنه أشار مرة واحدة إلي مسألة التمويل قائلا نحن نشارك في قيادة العمل علي تقويض مصادر تمويل داعش, دونما ذكر أي من هذه المصادر. عندما بدأت روسيا حملتها الجوية في سوريا قبل شهرين, كان رأي كاميرون ومعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما هوأن الحملة سوف تأتي بنتائج عكسية وتزيد تهديد الإرهاب وتخلق الاضطراب في المنطقة. يذكر معارضو الحرب في بريطانيا كاميرون بتحذيره, وينصحونه بأن يعيد النظر في لعبته الخطرة وبأن يضرب رأس الأفعي الحقيقي إن أراد فعلا مواجهة التطرف, ويقولون إن من الحكمة تجنب الخلافات الأخري مع الروس والتفكير في مقولتهم المأثورة: ثلاثة أشياء ضرورية للحرب.. المال ثم المال ثم المال.