ضربات الجو الأمريكية على تنظيم داعش، هل تضيف وقودًا إلى تطرفه كما تتساءل مجلة نيو ستيتسمان البريطانية. فقد سبق أن توالت ضربات الجو الأمريكية على العراق فى أزمنة حكم رؤساء أمريكيين متعاقبين ولكن أوباما هو أول رئيس يقصف سوريا على الرغم من تعهده عند الترشح عام 2007 بمعارضة تلك السياسة وإدارته تؤكد أن الحملة الحالية مختلفة عن الحملات السابقة. وحينما بدأت الثورة فى سوريا تعرض آلاف السوريين المدنيين المعارضين للتعذيب والذبح وممارسة أحط السياسات.وطالب كثير من السوريين بتدخل المجتمع الدولي، ولكن مع تحطم القانون والنظام وسيطرة عدم الاستقرار تدخل الجهاديون لشغل فراغ السلطة. وقيل للسوريين إن الغرب لا يهتم بموت المسلمين كما حدث فى البوسنة بل يهتم فقط بمصير الأقليات ويترك الأغلبية السنة دون سند منه ضحايا لجرائم النظام، فالأسد فى نظر الغرب هو أقل الضررين. لذلك فتح الغرب من جديد القنوات الدبلوماسية مع النظام، وأبدى متحدث باسم البنتاجون تقديره لصمت أنظمة الدفاع السورية وعدم تحركها أثناء غارات الولاياتالمتحدة على أهداف تنظيم داعش فى سوريا. وبالإضافة إلى ذلك تميزت شبكة التحالف لحرب تنظيم داعش بالهشاشة. فهل تصمد هذه المجموعة المهتزة من الشركاء طويلاً؟ لقد وصلت حتى الآن إلى 40 بلدًا من ألبانيا إلى كوريا الجنوبية لمحاربة الإرهابيين المتطرفين فى العراقوسوريا الكبرى (الشام). حقا إن السعودية تعتبر داعش تهديدًا ولكنه أقل من العداء لإيران. وتصر السعودية على ألا تحول الولاياتالمتحدة معركتها ضد داعش إلى السماح بمعانقة طهران، فالسعودية ستقاطع مؤتمرًا حول داعش إذا دعيت طهران إليه، كما تريد عملاً أكثر من أجل إسقاط بشار الأسد حليف إيران وهو هدف أبعد كثيرًا من حدود خطة أوباما ضد داعش وطوال رحلات كيرى إلى ستة بلاد كانت العناوين المعلنة التى تتعقبه تتحدث عن الدعم والتعاون. ولكن قراءة أكثر دقة تبين أن كل تعهد له حدود.فالحرب على داعش لم تصبح عند أطراف التحالف مسألة مبدأ على النطاق العالمى بل تعانى الهشاشة، فالكثير من البلاد ترى فى الشرق الأوسط تهديدات أكبر من داعش. كما أن الولاياتالمتحدة لم تعد القوة التى لا تبارى كما كانت حينما جمع بوش عشرات الدول عام 1991 فى حرب الخليج. فمصر التى انضمت للتحالف من أجل تحرير الكويت تنظر إلى الأمر من زاوية مصلحتها الوطنية والقومية.والموقف التركى معقد، فرغم موافقة البرلمان التركى على الدخول فى التحالف لضرب داعش تناصر تركيا جيش النصرة المناهض للأسد ويوجه بعض السياسيين الغربيين الاتهام لتركيا برعاية ودعم مجموعات إرهابية مثل داعش. ويبدو الائتلاف الجديد أضعف إرادة وأقل اتحادًا وأكثر عرضة لأن يصاب بالإجهاد تحت ضغط الأحداث فى الرمال الملطخة بالدم لشمال العراق وشرق سوريا. وحتى المساعدة غير العسكرية أساسًا من حلفاء الولاياتالمتحدة تجيء مع شروط. ورغم مساندة مجلس العموم البريطانى لقرار رئيس الوزراء كاميرون بالاشتراك فى القصف الجوى الأمريكى لقوات داعش فى العراق، وهو موقف مناقض لموقف البرلمان السابق الرافض للتدخل العسكرى فى سوريا بعد أزمة الأسلحة الكيماوية، تسود حالة من عدم الارتياح والقلق فى بريطانيا. فمازالت الحرب على العراق فى 2003 تشكل نموذجًا مرفوضًا شعبيًأ للتدخل الذى أدى إلى عواقب أسهمت فى نشوء وضع غير مستقر فى العراق سمح لتنظيم مثل داعش بالتمدد. وإذا حاول كاميرون أن يحذو حذو تونى بلير فى التدخل الخارجى فإن المجتمع البريطانى ليست لديه الرغبة أو الحماسة للدخول فى صراع لا تبدو له نهاية وشيكة. كما يوجد قلق يتعلق بأن يؤدى التدخل إلى تزايد تجنيد متعاطفين مع داعش فى أوساط الأجيال الثانية والثالثة من المهاجرين المسلمين. ويشكو كيرى من تركيز وسائل الإعلام على قصف القنابل فهو فى رأيه أحد المكونات ويذكر معه جهود بناء استقرار العراق ومناهضة رسالة داعش المتطرفة وهى أكثر أهمية من العمل العسكرى فى النهاية. فالتحالف «العظيم» سيدخل ما هو أكثر من مواجهة داعش فى ساحة قتال. ربما يوقف تمويل التنظيم من أثرياء العرب فى بلاد مثل الكويت وقطر وسيخنق تهريب النفط الواسع ويوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى صفوف داعش. كما سيقوم برفع أصوات علماء الإسلام فى إدانة ادعائها أن خلافتها المزعومة تمثل عودة إلى نقاء الإسلام. لكن ذلك لن يوقف الاتهامات للغرب بأنه يتدخل وفقًا لمصالحه الأنانية وتحالفاته فى المنطقة وربما لن يستطيع حسم صراع القوى المتناحرة فى العراقوسوريا. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى