من منا لايقلق ؟ في ظل حياة لا تخلو من الأحداث الضاغطة, والمواقف المزعجة, والتي تجبرنا علي الخوف وعدم الراحة. فحين يدرك الإنسان أن هناك مصدر خطر يهدد كيانه, ويتهيأ للظهور إلي حيز الوعي أو الواقع, تبدأ نفسه بشكل تلقائي في الاستعداد لمقاومة هذا الحدث المزعج بخوف غامض غير محدد يسمي القلق. وحتما يختلف كل منا في استقبال وترجمة الرسائل الغامضة, وكيفية التعايش معها. فهناك من يبالغ في رد فعله, وهناك من يري الموقف في حجمه الطبيعي. ومن المؤكد أن التفكير التشاؤمي, يقود العقل إلي التوقعات السلبية, فيزداد التوتر والخوف النفسي. لأنه قام بالضغط علي الجانب المظلم من الحدث, وجعله يطفو علي السطح, ثم يبدأ في إيحاء العقل بأنه عاجز عن مواجهة الخطر. وكلما ضغط الإنسان علي عقله بالافكار السيئة, شعر بالانقباض, وظهرت عليه أعراض القلق مثل: خفقان القلب, وفتور الجسم, والأرق, وتقلص المعدة, وعدم الرغبة في الطعام, والعصبية, ونقص الانتاج, وعدم الانتباه, وغيرها من الأعراض النفسية, والجسمية. وهو رد فعل طبيعي, نتيجة المبالغة في التفكير المتشائم, و تراكم الانفعالات غير السارة, فضلا عن نظام الحياة السريع, والصراع بين المكبوت والموجود علي أرض الواقع, وهي عوامل تجعل النفس قابلة للهزيمة والضعف. وكلما اطلق الإنسان العنان لخياله السلبي, واستمر في تغذية عقله بالخوف والإحباط, كان ذلك منبئا عن إصاباته باضطرابات نفسية أشد مثل: القلق العام, و الاكتئاب, واضطرابات الهلع كالخوف من الاماكن المرتفعة, والرهبة الاجتماعية( الخوف من مواجهة الناس) وغيرها من الاضطرابات, التي تتسبب في شعور المصاب بالرعب, والقلق الحاد, حين يتعرض للحدث الذي يزعجه و يضغط علي توازنه النفسي. ولن أخوض في تفاصيل اضطرابات القلق العديدة والمدمرة, ولكن لنا أن نعلم أن المرونة والإيجابية في مجابهة الضغوط والألم, تنجينا من الوقوع في دوامة المرض النفسي. فكل شيء خلق بمقدار, إذا زاد علي حده انقلب لضده. وببساطة القلق يجعل لحياتنا معني, فهو من صنع الله, أوجده الخالق بهدف تجديد خلايا الجهاز العصبي والنفسي, ولتنبيه الإحساس أن هناك خطرا يجب تجنبه, فيقوم العقل بالتفكير والتدبيرالسوي, بعدها يتحرك السلوك نحو الهدف. وهو ما يفعله الشخص الإيجابي أو الواعي, فهو يقلق ولكن بدرجة أقل, لأنه ينظر إلي الجانب المضيء من الأحداث الضاغطة, وبدلا من شحن عقله و نفسه بالأفكار السوداء, يسيطر علي مصدر الإزعاج بالصبر, والتفاؤل, ويركز طاقاته نحو أهدافه. ليصبح القلق دافعا للعمل الدءوب, قلق أكون أو لا أكون. وهو أمر صحي, لأنه يجعل العقل يفكر قليلا, ويعمل كثيرا, ويستثير داخله المساحة بين ما حققه, وما يجب عليه أن يستكمله. ليصبح بذلك القلق منتجا, ومصدرا للإنجاز, وتفريغ الشحنات المكبوتة فيما هو مفيد. وأخيرا, علينا أن نتجنب مشاعر الوحدة والفراغ, والكسل بقدر الامكان, لأنها عوامل تدمرالذات, وتسمح للإيحاء, والخيال المدمر, بالسيطرة سلبيا علي مشاعرنا, وسلوكنا, ومن ثم هدم طاقتنا المنتجة. كلية الآداب جامعة الإسكندرية