لم تنته الجولة بعد في مدارس المرحلة الثانوية, فبعد أن استعرضنا في الحلقة السابقة يوميات طلاب بره المدرسة يتوزعون بين المقاهي ومحلات الكمبيوتر والإنترنت وصالات البلياردو وفي مقابل مجموعة أخري تختار الالتزام بالزي المدرسي والتواجد خلف أسوار المدرسة ولكن بسيناريوهات وأنشطة متنوعة يحددونها هم, في حين يقضي فريق ثالث اليوم الدراسي بأكمله في الشوارع والطرقات.. نبحث في هذه الحلقة وراء قرار العشر درجات الخاص بالحضور والغياب الذي تم إعلان تطبيقه علي طلاب الثانوية العامة قبل الرجوع عنه وتجميده في وقت لاحق من قبل مجلس الوزراء ورصد تداعيات ونتائج تجميد القرار علي الطلاب وحال المدارس الثانوية وكذلك مشكلات أخري تواجه كل أسرة لديها ابن في هذه المرحلة, كما نأخذكم في جولة بين مراكز الدروس الخصوصية التي ترفع شعار كامل العدد منذ إجازة آخر العام الدراسي الماضي وقبل انطلاق الفصل الدراسي الأول, ونختتم المرحلة الثانوية برصد مجموعة من اللقطات والمشاهد التي تفسر نفسها ذاتيا. في بيتنا ثانوية عامة حفظ وتلقين أم فهم وتحليل, حضور وحصص مدرسية أم غياب ودروس خصوصية, عملية تعليمية أم حسبة تجارية.. اختيارات تطرحها الثانوية العامة في كل عام أمام طلابها وأسرهم الذين يتحملون معهم مشقة ومعاناة تلك المرحلة بل ويشاركون بالمزيد من خلال تحمل التكاليف المادية التي تقتطعها الأسرة من ميزانيتها من أجل مستقبل ابنها طالب الثانوية العامة. مدرس وطالب وولي أمر هم الشركاء الثلاثة في إتمام مرحلة الثانوية العامة بنجاح لذلك طرحنا عليهم كافة التساؤلات التي تدور في هذا الفلك سواء ما يتعلق بالقرار الملغي وتأثيره والأسباب التي دفعت الغالبية العظمي لرفض تطبيقه لدرجة وصلت للاعتصام والتظاهر ضد تنفيذه من الطلبة الرافضين وأسرهم, بالإضافة إلي متابعة ما يدور في مراكز الدروس الخصوصية التي تمتلئ عن آخرها بالطلاب في صورة أشبه بالفصل المدرسي ولكن خصوصي. في البداية يرحب مازن صلاح طالب بالثانوية العامة بتجميد قرار درجات الغياب والحضور العشر مؤكدا أن في ذلك مصلحة الطلاب خاصة أن المناهج الدراسية الخاصة بالصف الثالث الثانوي تحتاج لمزيد من الوقت في استذكارها ولا يمكن تمضية هذا الوقت في المدرسة خاصة وأن معظم المدرسين في هذه المرحلة لا يهتمون بالحصص المدرسية وبالتالي هو إهدار للوقت. وتؤيد نور أيمن- طالبة بالثانوية العامة- تجميد القرار الوزاري حيث تري أن صدوره من الأساس كان خطأ كبيرا لا يتناسب مع ما يحدث في الواقع داخل المدارس, مؤكدة أن كل طلاب الثانوية العامة يستعينون بالدروس الخصوصية ولا يمكنهم التخلي عنها أو الاستغناء بدور المدرسة خاصة وأن المدرسين أنفسهم لا يهتمون بالشرح في الحصص من نفس المنطلق. وتقول فاطمة محمد- طالبة- إن الدروس الخصوصية أصبحت شيئا أساسيا ولا تقتصر علي المرحلة الثانوية فقط بل يستعين بها طلاب جميع المراحل التعليمية, وتشير إلي أن بعض الطلاب يضطرون أحيانا إلي الحصول علي درسين في مادة واحدة. ويقول نادر محمد ولي أمر إن المدارس بحاجة إلي ما وصفه بإعادة الروح إليها من جديد من خلال استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في المدارس حتي يتفاعل معها الطلاب بشكل أكبر, علاوة علي إتقان المدرسين لعملهم خاصة في هذه المرحلة الخطيرة من المراحل التعليمية لأنها تتحكم في مستقبل البلد من خلال مستقبل جيلها القادم كما أن قيام كل معلم بواجبه تجاه طلابه قد يساهم في حل مشكلة الدروس الخصوصية. ويضيف حسن توفيق ولي أمر أن الدروس الخصوصية في الثانوية العامة هم كبير ولكن لا بديل عنها في ظل تراخي المدارس وانحسار دورها, مشيرا إلي الاستغلال الذي يعاني منه كل ولي أمر لطالب ثانوية عامة ولكنه في النهاية استغلال معلن بل وعليه الطلب علي حد قوله. وتشير ناريمان عبد الفتاح مدرسة لغة فرنسية إلي أن دور المدرسة اختفي تدريجيا وحتي المجموعات الدراسية التي كان يساهم فيها معلمو المدرسة اختفت وحلت محلها الدروس الخصوصية, ورغم أنها ظهرت كوسيلة مساعدة للطلاب ذوي المستوي الضعيف ولكنها أصبحت أهم وسيلة لاجتياز المرحلة الثانوية. هذه الجولة التي تمت في منتصف يوم دراسي خرجنا منها بمشهدين متناقضين كانا ملخصا للحالة التي يمر بها طلاب الصف الثالث الثانوي, أولهما بداخل عدد من المدارس حيث لم يختلف الوضع كثيرا وكانوا جميعا نسخة متكررة رافعين شعار لم يحضر أحد, أما الثاني أمام أحد مراكز الدروس الخصوصية الذي يشهد تجمع آلاف الطلاب حتي أثناء اليوم الدراسي. للمعلم مطالب كثيرة حق المعلم فين ؟ سؤال طرحه عدد من المعلمين مرة بهدف الاستنكار وأخري بنبرة غاضبة مطالبة وثالثة بغاية الدفاع وتفنيد الأوضاع خاصة وأنهم تحولوا بمرور الوقت من طرف مساعد ومهم في العملية التعليمية إلي طرف متهم ومكروه في بعض الأحيان من أولياء الأمور وأبنائهم. وما بين اتهامات بالجشع والرغبة في جمع الأموال بشتي الطرق وعدم الاهتمام سوي بالطالب الخصوصي الذي يقدم المقابل للمادة العلمية والأدبية المقدمة إليه في مقابل إهمال الدور الأساسي المنوط به داخل الفصل المدرسي, بين كل ذلك خرج بعض المعلمين عن صمتهم مؤكدين أن معاناتهم لا تقل أبدا عن الطلاب وأسرهم وأنهم كذلك لهم حقوق مثلما هم مطالبون بالواجبات. هذه الحقوق التي ورغم تأكيدهم عليها وإصرارهم علي سردها إلا أنهم طالبوا في البداية بعدم ذكر أسمائهم بهدف عدم الإضرار بهم داخل المدارس التي ينتمون إليها, في حين يري آخرون أنها مشكلات خاصة بجموع المعلمين ولا تخص أحدهم بشخصه لذلك فالحديث يجب أن يبقي بدون أسماء كما اقترح. هكذا بدأ الحديث جماعيا بتوجيه رسالة إلي وزير التربية والتعليم بضرورة إصلاح المنظومة التعليمية مؤكدين أن التعليم أمن قومي والسبيل الوحيد لتحقيق أهداف مصر التنموية خلال السنوات المقبلة. وينتقد عدد من المعلمين بمدرسة النقراشي الرسمية للغات إغفال الدستور لحق المعلم في الحياة الكريمة والأجر المناسب الذي يوفر له مستوي معيشي مستقرا مثل باقي فئات المجتمع مما أصابهم بالإحباط, كما انتقدوا رفض وزير التربية والتعليم مقابلة وفد من المعلمين أو علي الأقل محاولة التوصل لحل ينهي الأزمات الأخيرة التي ظهرت بشأن المعلمين. فيما أضاف أحدهم أن ذلك لا ينفي أبدا المسئولية التي يشعر بها المعلمون تجاه العملية التعليمية وتطويرها ولكن الأمر يقتضي تعاونا مستمرا مع الوزارة من خلال إقامة دورات تدريبية مختلفة للمعلمين لرفع المستوي العلمي والتربوي بما يتناسب مع متغيرات العصر الحديث حتي يتفاعل معهم الطالب ولا يمل الأساليب التقليدية في سبل التعلم, علاوة علي ضرورة تطوير المدارس نفسها وإدخال جميع الوسائل الحديثة التي تفيد العملية التعليمية بها مثل تحسين المعامل وتوفير الحوافز المادية والمعنوية التي تدفع المعلمين إلي تطوير الأداء الذاتي داخل الفصول, لينهي حديثه قائلا لماذا لا يتم إرسال عدد من المدرسين في بعثات علمية وتعليمية للخارج إلي دول متقدمة في مجال التعليم للاستفادة من التجارب الناجحة في المناهج وطرق التدريس ؟. ويضيف أحد المدرسين بمدرسة طه حسين الابتدائية أنهم لجأوا إلي الدروس الخصوصية لأنها السبيل الوحيد لتعويضهم ماديا, ليصمت لحظات ويستكمل قائلا يعني بناخد حقنا بطريقة تانية وده مش عيب. ويري أن الجميع يحتاج للمال والدروس الخصوصية سبيلهم إليها مثل أي شخص يسعي لزيادة دخله من خلال عمل إضافي لأن رواتبهم لا تكفي لمواجهة ظروف المعيشة وغلاء الأسعار وفي النهاية هم يقتطعون من أوقاتهم من أجل إفادة الطلاب. ويري أحد المدرسين بمدرسة الشهيد عاطف السادات أن مطالب المعلم تتلخص في تطبيق لائحة الانضباط المدرسي لتحسين العلاقة بين المعلم والطالب والاهتمام بما يطلبه المعلم وإعادة هيكلة العملية التعليمية وجدولتها بطريقة جديدة تتناسب مع العصر الحديث, فلا يعقل التعامل مع مناهج ومعلومات منذ التسعينيات وما قبلها حتي الآن علي حد قوله. ويوضح ضرورة تنمية الأداء المدرسي بما يضمن تخرج نماذج ناجحة ومشرفة من خلال وضع خطط طويلة المدي من أجل النهوض بالمنظومة التعليمية, كما يجب تطوير التعليم من المراحل الأولي مع الالتزام بمبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص للجميع, ويقترح مساهمة رجال الأعمال في تطوير المدارس الحكومية والعمل علي استعادة صورة المعلم وهيبته كما كانت وسط المجتمع.