أغلبنا يتمني ويتمني ولكنه لا يريد دفع استحقاق ذلك, يريد الرفاهية ولا يدري معناها ولا استحقاقاتها, ويريد تقدما بلا سهر لتحقيقه. لقد أوصلنا عدم الفهم إلي وضع النصاب والسارق وغيرهما ممن لا يريدون أو يستصعبون دفع استحقاق الحصول علي بغيتهم. قضية الاستحقاق قضية يقع فيها أغلب الأفراد بل والجماعات حيث لا يستطيعون تحديد أهدافهم وبالتالي أولوياتهم وبالتالي خطواتهم فيحلمون وينتهي الأمر عند الحلم فيبدأون في بذل جهد لتحقيق ذلك الحلم غالبا بلا توجه حقيقي فنراهم يبذلون جهدا في غير الاتجاه الصحيح فيستصعبون الأمر فيلجأون إلي الحيل فإن عجزوا عن ذلك لجأوا إلي تغييب العقل سواء بالمخدرات أم بالانغماس في مشاهدة المباريات علي مستوي الفرد. ويلعب الإعلام الموجه نفس الدور لتغييب الجماهير فنراه يشعر الجماهير بنشوة الانتصار الوهمي كما عشنا أيام مقولة قذف إسرائيل في البحر رغم أن سيادتنا كانت وقتها منتهكة بحريا في مضايق تيران! كان مسلسل تغييب العقل في تيران حلقة في سلسلة طويلة عندما وافقنا علي مرور إسرائيل في ذلك المضيق عقب العدوان الثلاثي عام1956 دون أن نعلن ذلك للشعب رغم معرفة العالم جميعه بتفاصيله بمن فيهم عدونا, بينما نحن الوحيدون الذين غيب وعيهم لنفق بعد إحدي عشر عاما علي الوضع الحقيقي للمضيق. كم كان الأجدي أن يعرف الشعب حقيقة الأمر حتي يتمترس خلف خططه التنموية وطموحاته لا أن نوهمه بالنصر( رغم البلاء الحسن للمقاومة الشعبية دفاعا عن بورسعيد) عام1956 فيركن للدعة. وعوضا عن ذلك ألهينا الشعب في أمور أخري وأعطينا العدو ذا الأربعة أعوام فترة حضانة أطول ليصبح يافعا! كنا عام1952 م دولة واحدة تضم السودان وتشرف علي قطاع غزة فتركنا السودان عام1956 ونادينا بالوحدة العربية عام1958 وخسرنا غزة وسيناء عام1967 في مسلسل الملهاة القومية دون أن نبني الدولة بصورة راسخة متعللين دوما بالحرب رغم أن عدونا في موقف حرب أصعب من موقفنا ليصبح له ثلاث جامعات في أفضل مائة جامعة في العالم ولنصبح بلا جامعة في أفضل سبعمائة جامعة في العالم! تناسينا استحقاق التنمية وتذكرنا الأسهل المدمر وهو الأغاني وتغييب الوعي والعقل بحثا عن بطولات مزعومة! بنينا مصانع فارغة من تعريف آليات الصناعة الحقيقية وأهمها التصميم والصيانة والجودة متناسين استحقاقها. ثم توالت النكبات فاستخدمنا بعض آلات تلك الصناعة لانتاج صناديق القمامة! يا لها من ملهاة لأننا نملك الكوادر الفنية لبناء صناعة حقيقية ولكننا ركنا للدعة فليس لدينا هدف قومي نعرف استحقاقه ومستعدون لدفع ذلك الاستحقاق! حين يصل الدين علي كل فرد في مصر إلي حوالي ستة وعشرين ألف جنيه يجب أن نتوقف لنراجع أنفسنا حتي لا يأتي يوم لا ينفع فيه الندم. العمل من خلال خطة واضحة تحت هدف قومي واضح بقدوة متحركة تجسد العمل وإرادة النجاح لا بديل عنه لندفع الوطن للأمام. ذلك العمل لابد له من تعبئة مختلف الهيئات والأفراد بصورة متكافئة وعادلة تتقدمهم الجامعات صانعة الرجال بمن صلح من رجالها ممن لم يمسهم الفساد أو النفاق ليهندسوا لمصر خريطة المستقبل بشفافية وواقعية انطلاقا من واقع تتفشي فيه الأميات الألفبائية والثقافية والأخلاقية وينتشر فيه الفساد حسب المؤشرات العالمية إلي واقع نأمله جميعا لأمتنا. لسنا أقل من دول خطت لنفسها خريطة الحياة وأصبح يشار إليها بالبنان في عدد من السنوات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة! القضية ليست مستحيلة إذا شعر كل فرد بكرامته وبقيمته وبعدل المنظومة التي يعمل من خلالها! أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]