يبدو أن مسلسل الراية البيضاء ارتبط بشدة بمدينة الإسكندرية حتي إنه يتكرر من وقت لآخر, لكن هذه المرة علي أرض الواقع وليس علي شاشة التليفزيون, المكان هنا هو أتيليه الإسكندرية هذه المنارة المعرفية التي تربطنا بثقافات البحر المتوسط, والتي تقف الآن بمثقفيها وفنانيها أمام سلطة المال التي لا تقدر الثقافة قدرها الحقيقي. منذ أيام استيقظ الوسط الثقافي علي واقعة اعتداء علي حرم الأتيليه هذا الأثر التاريخي من قبل المالك الذي اقتحم مع مجموعه اشخاص البوابة الخلفية له وكسروها وهدموا جزءا من المرسم, وألقوا بلوحات الفنانين إلي الخارج وفقا لما ذكره لنا المثقفون السكندريون الذين وقفوا أمامه وأبلغوا الشرطة التي قبضت علي المعتدين, وقرر المثقفون والفنانون هناك الاعتصام بالمكان حتي يضمنوا عدم المساس به لأنه برغم تدخل الشرطة فإن البلطجية علي حد وصف رئيس الأتيليه يعودون بين الحين والآخر لكن يتم التصدي لهم. وأكد د. رفيق خليل رئيس أتيليه الإسكندرية أن المبني ثقافي له تاريخ كبير وتقام به فعاليات كثيرة, كما يشارك في أنشطة بالداخل والخارج, حيث مثل مصر كثيرا في أوروبا, كما أن تاريخه يرجع إلي أكثر من120 عاما وهو طراز معماري فريد معتمد كأثر منذ عام1996, وتم استئجاره من البنك الإيطالي الذي باعه فيما بعد لشخص, ثم تم تداوله حتي وصل المالك الحالي الذي أقنعه البعض أنه إذا وقع مبني الأتيليه يستطيع حينها الاستفادة من الأرض ويكون حر التصرف لأنه يقع في أرقي مكان بالإسكندرية. وأضاف خليل هذا المكان ليس مهجورا, إنما يعج بالنشاط والأمسيات الفنية والندوات, ومع ذلك جاء البلطجية مساء وهاجموا المكان من الباب الخلفي وكسروا السور والباب وجزءا من المرسم, وكل هذا يمكن أن يؤثر علي الأتيليه نفسه, وقمنا بالتحرك سريعا وطلبنا وزير الثقافة الذي بدوره تحدث مع محافظ الإسكندرية كما خاطبنا جميع المسئولين واعتصم المثقفون في المكان دفاعا عنه, ورغم أن الشرطة تدخلت وأخرجتهم إلا أنهم يعودون, كما أننا نخشي أن يستغلوا انشغال الشرطة بتأمين الانتخابات ويعاودوا الهجوم مره أخري, كما أنهم استغلوا اشخاص ليأتوا بأوراق في صالحهم تفيدهم في النزاع القانوني. وأكد أن أتيليه الإسكندرية مكان عزيز علي مصر قدم للثقافة الكثير, والآن نحن في حالة ترقب ننتظر ماذا سوف يفعلون وما سوف تقدمه الحكومة للأتيليه, ونحن كمثقفين وفنانين سوف ندافع عن المكان وسوف نتحرك في جميع الجهات. حرب شرسة قال الشاعر السكندري ميسرة صلاح الدين, وأحد الشهود علي ما يتعرض له الأتيليه, إنه يرتبط العديد من المبدعين والمثقفين باتيليه الإسكندرية ارتباطا وثيقا, لاسيما الفنانون التشكيلون والشعراء ولهذا كانت فاجعة كبيرة بالنسبة لنا ان نري هذا المبني العريق الاثري وهذا التاريخ الطويل من النشاط الثقافي والفني والمجتمعي, يتعرض لهجمة شرسة من تجار التاريخ وسماسرة الحضارة الذين يستبدلون الأثر بالمال, والحضارة بقوالب الأسمنت, لقد ظهر واضحا عقب المؤتمر الصحفي الذي دعا له مجلس إدارة مركز الإسكندرية للإبداع ومجلس إدارة الاتيليه أن المثقفين والفنانين لن يتخلوا عن حقهم الطبيعي, وأن شباب المثقفين عليهم عبء كبير في مواجهة تلك الهجمات الشرسة التي كشفت بما تملكه من ترسانة مستندات عن فساد ضخم في مؤسسات وثغرات في قوانين, وخلل في أنظمة استغلته تلك المافيا واختارت توقيتا حرجا قبل انتخابات مجلس الشعب وإجازة بداية العام الهجري لتتحرك بشكل منظم, وفي خطا مدروسة, ربما كانت كفة المثقفين والفنانين هي الارجح حاليا ولكن تلك الحرب شرسة وطويلة الأمد وتحتاج لخبرة قانونية ودعم من اجهزة المحافظة ووزارة الثقافة والآثار لأنهم جميعا شركاء في حماية التاريخ ورعاية الفن. تراث محمي بالقانون وفور وقوع الاعتداء علي الأتيليه أكد د.سمير غريب رئيس هيئة التنسيق الحضاري السابق أن مبني الأتيليه مسجل ضمن المباني المتميزة طبقا للقانون144 لسنة2006, والذي يمنع الهدم والبناء في حديقة المبني, موضحا أن هناك لجنة لهذا الموضوع بالمحافظة برئاسة الدكتور محمد عوض, ويجب تفعيل القانون. أما الدكتور محمد عوض استاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإسكندرية ورئيس لجنة الحفاظ علي تراث الثغر فقد أكد أنه علم الموضوع من الإعلام ولم يتقدم احد حتي الآن إليه بشكوي, موضحا انه عند تقديم شكوي سيتخذ الإجراءات اللازمة وهي مخاطبة الحي لعمل معاينة ومحضر, كما ان للحي الآن ضبطية قضائية. وأكد عوض أن الاعتداء علي السور أو الحديقة هو اعتداء علي المبني نفسه, ولا يحق للمالك أن يستقطعه أو يستعمله أحد آخر غير الأتيليه, ودور اللجنة هنا إخبار الحي باتخاذ اللازم لان المبني تاريخي وفقا للقانون, كما أن هناك تجريما وعقوبة علي من يتعدي علي المباني التراثية بالتشويه أو الهدم, لكن الحقيقة ان عندما يذهب الموضوع إلي النيابة ينتهي هناك لأن الملاك يتحايلون علي القانون أو يستغلون مشكلات إجرائية. مسلسل يتكرر دائما والمدهش أن أتيليه الإسكندرية لم يكن الأول ولن يكون الأخير, فستظل المواجهة بين التاريخ وسلطة المال دائمة, والمعركة أصبحت جزءا من حياة المثقفين. والاعتداء علي الأماكن الثقافية التاريخي منها أو الحديث أصبح شيئا معتادا, نراه يحدث دائما مع هيئة قصور الثقافة, كمثال وتدخل في معارك قانونية كبيرة للحصول علي حقها. فأكد الكاتب محمد عبدالحافظ ناصف رئيس الهيئة أن هناك أكثر من طريقة نواجه بها من يحاولون التعدي علي حقوق أو ممتلكات الهيئة عن طريق عدة خطوات, في البداية أهم شيء تحرك الناس انفسهم من كتاب ومثقفين وموظفين ودفاعهم المستميت عن ممتلكاتهم العامة قبل الخاصة, وهذا حدث مع كل المواقع التي حدث معها نوع من الاعتداء, وتعرض مديروها للتهديد والتلميح بالإيذاء البدني, وهذا حدث في كل الأماكن التي تعرضنا فيها لمحاولة التعدي وآخرها علي سبيل المثال مكتبة سمنود فتم هدم سور بيننا وبين النادي الاجتماعي, ولكن المثقفين بالمحلة وسمنود والموظفين أقاموا الدنيا وحرروا محاضر وذهبت بنفسي للمحافظ ورئيس مجلس المدينة, ووعدوني بإرجاع الشيء لأصله وتم بناء السور. وأضاف من ضمن المعارك التي خضناها أيضا كان بقصر ثقافة المحلة هذا المبني التاريخي, فقد كانت معركة حقيقية أخذت عدة أشكال قانونية ومحلية عن طريق كتابها ومثقفيها, فكان الجار يود تحويل حديقة القصر وهو تاريخي إلي شارع, مدعيا أن هذا الأمر كان موجودا في تقسيمات الحي منذ زمن بعيد, لكن تم الوقوف أمام الأمر بالقانون وبالحملات الإعلامية وصمود أدباء المحلة, وتم عمل مسرح في الحديقة وتشغيله وألغيت فكرة تحويله إلي شارع, كما رفضنا أي تصالح علي حساب ما قد يتم استغلاله بشكل سيئ في المستقبل ورفضنا أن تفتح اي مطلات علي حديقة القصر, ولابد هنا من ذكر مدير قصر ثقافة المحلة الكاتب جابر سركيس الذي تم تكريمه كأحسن موظف بالهيئة لانه تصدي بشجاعة كبيرة لكل المحاولات التي تعرض لها.