لعل اهتمامي بهذا الملف ينبع من وجود أرصدة ضخمة في مؤسساتنا الصحفية القومية منها تلك الثروة من الإعلاميين المتميزين فضلا عن منشآت وتجهيزات تقدر بالمليارات تتجسد في ثماني مؤسسات كبري هي:الأهرام, أخبار اليوم, روزاليوسف, دار المعارف, دار الهلال, دار التحرير, وكالة أنباء الشرق الأوسط, والقومية للتوزيع يصدر عنها55 إصدارا, نصيب الأهرام منها17 إصدارا, والأخبار12, دار الهلال9, روزاليوسف3, دار التحرير12, وباستثناء مؤسستي الأهرام والأخبار والشركة القومية تعتمد بقية المؤسسات علي دعم الدولة للاستمرار. ووفقا لتقدير خبراء جمعية حماية المشاهدين والقراء تبلغ ديون هذه المؤسسات ما بين10 و12 مليار جنيه وخسائر سنوية مؤكدة تصل إلي900 مليون جنيه, وأكثر من3000 صحفي ومحرر وكاتب يرتبط بهم أكثر من10000 موظف يعملون في المطابع والتوزيع والإعلانات والأعمال المساندة, ناهيك عن عدد يقاربهم يعمل في الصحف الخاصة والحزبية وصحف التراخيص الأجنبية, وقد واجهت هذه المؤسسات عددا من المشاكل منها: تراجع عائدات الإعلانات وارتفاع تكلفة الإنتاج وسيطرة التوجه النفعي الهادف لزيادة الربحية علي حساب الجوانب المهنية..تراجع التزام المؤسسات الصحفية وصحفييها بالقيم المهنية والمسئولية الأخلاقية..غياب دور المالك الأصلي وضعف الرقابة علي الأداء الاقتصادي للصحف القومية..عدم وجود أية محاسبة مالية لأعضاء مجلس الإدارة..غلبة الاعتبارات الشخصية الأمر الذي اضر بالمسئولية الاجتماعية للصحف إزاء القراء..حجم القوي الطباعية الموجودة في مصر اكبر من حجم السوق وهناك مطابع لا تعمل أكثر من ساعتين وهي مطابع ضخمة تكلفت ملايين الجنيهات..هناك جمود وتخلف إداري في كثير من مؤسساتنا أدي إلي حرمان أجيال من الصحفيين في تحمل المسئولية وصناعة القرار. كيف نخرج من الأزمة؟.. الحفاظ علي المهنة وتقاليدها وتبني نظم المحاسبة الذاتية..الحفاظ علي المال العام,فبعد25 عاما من النهب,وجدنا وضعا غريبا مؤسسات مفلسة وبارونات صحافة خرجوا منها يمتلكون الملايين!..العمل علي ترسيخ وحماية حرية التعبير وإصلاح منظومة القوانين والتشريعات الإعلامية مع إعادة النظر في الملكية والإدارة وعلاقتها بالسلطة. من كل ما سبق, ثمة سيناريوهات نضعها أمام صناع القرار وأمام مؤسساتنا الصحفية لتختار المناسب منها, ولعل أول هذه السيناريوهات ينبني علي الاستمرار في دعم الصحافة الورقية ويراهن علي بقائها وقد جربته حكومة مبارك ويقوم علي( الدمج) لخلق تكتلات صحفية قوية تواجه خطر التآكل والانهيار وقد تم علي طريقة صفوت الشريف رئيس المجلس الأعلي للصحافة ورئيس مجلس الشوري في مايو2009 حيث أدمجت مؤسستا دار التعاون ودار الشعب في أربع مؤسسات:الأهرام وأخبار اليوم ودار التحرير والشركة القومية للتوزيع وقد ترتب عليه مشكلات بين أبناء المؤسسات الغنية وأبناء المؤسسات الفقيرة الوافدين إليها,بل تعرضت مؤسسة كانت رابحة مثل القومية للتوزيع إلي خسائر وتحملت ديونا لم تكن سببا فيها!,وفي ظني لم يفلح هذا السيناريو. أما السيناريو الثاني, فيري أن تكنولوجيا الإعلام هي المنقذ لمهنة الصحافة من خلال الاهتمام بالنوافذ الالكترونية وتقديم صحافة الكترونية محترفة لجذب القراء, الأمر الذي يحتاج إلي تدريب الصحفيين علي لغة الإعلام الالكتروني وكيفية التواصل مع جمهوره الذي هو تميمة النجاح في صحافة المستقبل,ومما يعزز هذا السيناريو تنامي العائدات الإعلانية الالكترونية وصعودها المتواصل فقد أشارت بعض الدراسات الإعلامية إلي أن العائدات الإعلانية للصحف الالكترونية بلغت40 مليون دولار في عام1997 ثم في2000 وصلت500 مليون وفي2013 بلغت2 مليار وينتظر أن تستولي الصحافة الالكترونية علي كعكة الإعلانات كاملة في2020 مما دعا بعض المتشائمين من الأمريكان إلي أن الصحافة الورقية سوف تدخل الإنعاش خلال ثلاث سنوات من الآن.. اللهم قد بلغت. أستاذ الإعلام بجامعة المنيا رئيس جمعية حماية المشاهدين والقراء