في الوقت الذي تحاول فيه مصر النهوض من جديد, أصبح من الضروري أن نستنهض همم كل المصريين وكل المؤسسات التي يمكن أن يكون لها دور فعال في تحقيق هذه النهضة المنشودة, ولأن أكاديمية الفنون المصرية من أعرق وأهم المؤسسات التعليمية في مصر والتي تعني ببناء الفنان الحقيقي القادر علي تقديم فن يسمو بالمجتمع ويعبر عنه بأسلوب محترم وراق, التقينا الدكتورة أحلام يونس رئيس الأكاديمية للتعرف عن وضع الأكاديمية ودورها في ظل المرحلة المهمة التي تمر بها مصر.. بدأت حواري معها بسؤال حول تقييمها للفترة التي قضتها في الأكاديمية منذ كانت طالبة حتي أصبحت رئيسا لها, وكيف اختلف تقييمها للمسئولية بعد توليها, فقالت: دعيني أتحدث عن الواقع, فقد كنت دوما أؤمن بأن هذه الأكاديمية قوة لا يجب أن يستهان بها, ولما وصلت للمسئولية وجدت إيجابيات لم أكن أتوقعها, وتأكدت لي قوة الأكاديمية من حيث كونها الدرع الواقي الذي يكفل للدولة تحقيق نهضة حقيقية في تنمية وجدان الشعب بصفة عامة, وأعتبر من يدرس أو يتخرج في هذه الأكاديمية سواعد مصر ودرعها الواقي. لكن لماذا تراجع دورها وتأثيرها في المجتمع المصري فأصبح الرديء وقلة الذوق الفني هو الظاهر علي السطح وتواري الجيد؟ أوافقك الرأي في انتشار الرداءة, ولكن دور الأكاديمية تعليمي وليست جهة انتاج, نحن نربي ونعلم تعليما جيدا وينتهي دورنا عند تخريج الطالب, وما يقدم علي الساحة هو دور المنتج والمستهلك والتسويق, فالأمر أصبح عرضا وطلبا في سوق تجارية ليست للأكاديمية عليه أي سلطة. لكن أغلب من يقدم هذه الأعمال الرديئة هم من خريجي الأكاديمية, فكيف خرجت هذه الكوادر وهي غير قادرة علي فرض الذوق الجيد علي ما يقدم في الساحة الفنية؟ الموضوع كما قلت عرض وطلب, فهناك فن رديء يقدم وفي مقابله فن جيد, ولكل منهما قاعدة جماهيرية تساند اللون الذي تحبه, وللأسف القاعدة المساندة للفن الرديء هي القاعدة الأكبر والأكثر إيجابية, لأنها تذهب لتدفع أموال لمشاهدة هذا الفن في دور العرض, وفي نفس الوقت تراجعت القاعدة المساندة للفن الجيد عن مساندته واحجمت عن الإقبال عليه, واكتفي هؤلاء المتذوقون للفن الجيد بالنقد والاستنكار لما يقدم ويتعجبون لماذا ينجح الفن الرديء, وهم لم يبذلوا أي جهد لإنجاح الفن الجيد. لماذا لا تزال أكاديمية الفنون بعيدة عن أذهان واختيارات المصريين ولا يزال هناك جهل بها وبدورها ؟ بصراحة ماعرفش ليه.. وحتي الآن لا أدري السبب, ولكن ما أحاول عمله هو تحريك المياه الراكدة ودفع العجلة للأمام, ويكفي أن أقول لك إننا ليس لدينا تنسيق, وكل إجراءاتنا تتوقف علي الإعلان في الجرائد عن فتح باب التقديم للاختبارات, وبدأنا نزيد في أنشطتنا الترويجية والظهور بالبرامج للحديث عن الأكاديمية وتخصصاتها ومعاهدها. هل ترين أن هناك تراجعا في الإقبال علي الدراسة بالأكاديمية؟ وهل انتشار تيارات الفكر المتشدد أثر علي نظرة المجتمع للأكاديمية؟ الأعداد هذا العام زادت علي العام الماضي وهذا أسعدني جدا, ولكن لا أنكر أن الإقبال علي الأكاديمية أصبح قليلا عما كان قبل سنوات, ولكن المشكلة في رأيي هي نوعية الدراسة العلمية في الأكاديمية, فطبيعة الدراسة بالأكاديمية تقضي بأن الطالب يحصل علي منهج فني عملي تدريبي للتخصص الذي يدرسه سواء كونسرفتوار أو موسيقي عربية أو باليه, بجانب المنهج الدراسي العادي, وهي عملية شاقة جدا علي الأطفال. ما رأيك في مستوي تدريب الفنون في النوادي والمراكز الخاصة التي تحولت إلي تجارة أكثر منها عملية نشر للفنون, وربما بعضها لا يلتزم بمنهج علمي؟ لست ضد ذلك طالما تعليم هذه الفنون يتم بناء علي أصولها العلمية والمنهجية, وطالما كان المدرس متخصصا في هذا النشاط وخريجا للأكاديمية نفسها, لكن المشكلة الحقيقية أن هناك أماكن تستعين بمدربين غير متخصصين بعضهم حصلوا علي كورسات فقط في مراكز خارجية, ويعتقدون أن ذلك كاف لافتتاح مركز تدريب خاص, لذلك حرصت علي وضع لائحة العام الماضي تسمح بإعطاء المدارس أو النوادي التي تريد الحصول علي رخصة لتدريس المناهج الخاصة بالأكاديمية. ألم يكن هناك مشروع لإقامة مركز للإبداع في قاعة سيد درويش؟ وأين وصلت الفكرة؟ نعمل عليها الآن, وبالفعل وضعنا اللائحة وفي انتظار إقرارها, فالأمر ليس سهلا في ظل الروتين الذي يحكمنا, وهناك لائحة مالية وإدارية لابد من اعتمادها من الدولة قبل أن نبدأ العمل.. فمشكلة الأكاديمية أنها لها صلة بثلاث وزارات هي التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة, وكل منهج فيها يجب أن يتم بموافقة هذه الجهات. انتهجت الأكاديمية مؤخرا نهجا جديدا في إهداء الدكتوراه الفخرية للعديد من الأسماء اللامعة, فعلي أي أساس يتم إهداؤها؟ ليس نهجا جديدا للأكاديمية, بل هو نهج قديم وعريق اتخذته الأكاديمية منذ تأسيسها, وأول من حصل علي الدكتوراه الفخرية كان الموسيقار محمد عبد الوهاب والفنان زكي طليمات, ولكنها توقفت لفترة, وأردنا مؤخرا إحياء هذا النهج. كيف يكون التقييم خاصة مع تصريحك سابقا تؤكدين خلاله بأن شعبان عبد الرحيم من حقه الحصول عليها؟ هناك مجلس للأكاديمية هو الذي يفحص طلبات المتقدمين أو المرشحين للدكتوراه الفخرية وفقا لمعايير محددة, أما فيما يخص شعبان عبد الرحيم وهو فنان له احترامه وله قاعدة شعبية عريضة, وما كنت أعنيه بالتصريح أن الفنان من حقه أن يترشح من أي جهة, ومجلس الأكاديمية هو المنوط بالموافقة أو الرفض, وتصريحي عن شعبان عبد الرحيم كنت أقصد منه أن ألفت نظر الآخرين لضرورة عدم السخرية منه لأنه فنان لديه قاعدة شعبية عريضة, ولو رأي مجلس الأكاديمية أن له حقا في الحصول عليها سنمنحها له, لأن كل إنسان عمله هو الذي يحدد قيمته.