ربما يعتقد البعض أن العنف وانتهاك حقوق الإنسان والاعتداءات الجسدية والإهانات تدفعها دائما الرغبة في السيطرة لأهداف سياسية واقتصادية فقط, إلا أن الواقع الحقيقي يؤكد أن الشخص العنيف يمارس عنفه( الطبيعي) وغير المصطنع في أي مكان لايردعه رادع وفي اوروبا التي تصدر الذوق والقيم المتحضرة وقواعد التعامل بين البشر, هناك أيضا مدارس لتعليم وتصدير العنف( في الملاعب), العنف ضد اللاعبين والجماهير والحكام والسيارات والممتلكات العامة والخاصة وكل شيء دون مراعاة لمباديء حقوق الإنسان, عنف أعمي لايميز بين حكم أوروبي أو أفريقي أو امريكي, أبيض أو أصفر أو أحمر أو أسود, عنف يبدأ من كم الشتائم ويصل إلي حد التهديد بالقتل. وقد شهد عام2010 وحده300 اعتداء علي حكام كرة قدم و100 رسالة تهديد بالقتل, وهو رقم هائل بالنظر الي الادعاءات الأوروبية بالحرص علي تطبيق مباديء حقوق الإنسان المزعومة الصحفي( ستانلي روفر) سلط الأضواء في مجلة فيفا علي هذه المعضلة مؤكدا ان الاهانات والشتائم التي تطلق باتجاه الحكام تعتبر بكل المقاييس تجاوزات لخطوط حمراء لايتقبلها حتي رجل الشارع العادي حينما يختلف مع آخر فبعضها جارحة الي درجة انها لاتليق حتي بالحيوان ناهيك عن الانسان.. ولكن للاسف فان الكرة التي تعتبر اللعبة الأكثر شعبية لم تنج من هذه الشرور التي تشوه جمالياتها.. هذه الشرور تتعلق بالعنصرية وتعاطي المنشطات والعنف والغش.. ورغم أن هذه الانحرافات معزولة ولايمكن تعميمها الا أن فيفا لم يترك مناسبة الا وطالب وناشد بإعلان الحرب عليها لكونها تدمر الكرة ومع ذلك فان الاعتداء علي الحكام أصبح ممارسات دائمة في ملاعب كرة القدم.. فمع تزايد واتساع شعبية اللعبة ونجاحها في جذب الملايين من المشجعين زادت وتيرة الخلافات والمنازعات حول نتائجها واصبح الحكام أكباش الفداء الذين تستهدفهم أصابع الاتهام.. إحصائيات الاعتداءات والاتهامات التي تستهدف الحكام بلغت أرقاما قياسية منذ بدء المنافسات عام1883.. بعد ذلك بعام أدت الاتهامات والاحتجاجات علي طرد نادي ريكسام الانجليزي من عضوية اتحاد الكرة.. المؤسف ان العقوبات الصارمة فشلت حتي الآن في منع التحرش والاعتداء علي الحكام وبالتالي انتقل فيروس هذا المرض الي نسيج كرة القدم وأصبح جزءا لايتجزأ من المنافسات. تبدأ الانفلاتات عادة بهتافات بسيطة بين الجماهير ثم تتطور الامور الي تراشق بالمقذوفات تتجه بعدها الي الحكام ولكن سرعان ماتتطور الامور الي الأسوأ حينما تتحول الشتائم اللفظية الي اعتداءات جسدية. وكثيرا مانقلت شاشات التليفزيون حكاما ينزفون دما من أنوفهم ورؤوسهم بعد تعرضهم لاصابات من مواد حادة كالزجاج وقطع العملة.. ولعل عدة أمثلة تؤكد ماذهبنا اليه ففي نهائيات أمم اوروبا2004 الغي الحكم السويسري اورز ماير هدفا كان سيؤدي الي خروج انجلترا مبكرا من البطولة ولكن رغم تبريره لقراره إلا أنه تعرض لحملة شعواء من الصحافة التي صبت مزيدا من الزيت علي كراهية الحكم والتقطت القفاز إحدي صحف التابلويد وقامت بنشر بريده الالكتروني علي صفحاتها حادثة الجماهير لبعث رسائل حارقة له وبالفعل فقد تلقي ماير100 ألف رسالة من الشتائم والاهانات تخللتها تهديدات بالتصفية الجسدية بل تجرأ البعض بالاتصال بزوجته السابقة وأطفالها وعرض عليها رشاوي لتشويه سمعته لقتل شخصيته.. والنتيجة ان الحكم الدولي أصيب بحالة اكتئاب وقرر بعدها اعتزال التحكيم في ديسمبر2004 وفي واقعة اخري وعقب مباراة في دوري الابطال الأوروبي بين برشلونة وتشيلسي استقال الحكم السويدي المشهور فرينسك والذي يعتبر افضل الحكام في العالم بعد تلقيه رسائل من جماهير نادي تشيلسي تتوعده وتهدد لابقتله فحسب بل قتل اسرته معه.. علما بان نفس هذا الحكم كان قد تعرض لجرح قطعي في رأسه خلال المباراة وغادر الملعب مستاء من المهنة التي أفني زهرة عمره فيها فيما كسب الرعاع والبلطجية نقاطا علي حسابه.. ولعل الصور التليفزيونية التي تعكس هذه التشوهات اصبحت مشاهد عادية رغم انها لاتمثل سوي الجزء البارز من جبل جليد يسبح فوق سطح المحيط.. الاعتداءات أصبحت حقيقة ممارسات عادية مألوفة وهي بهذا تضرب في مقتل كل القيم والمثل الرياضية بعد ان تحولت الي مواجهات وتحرشات وصور من الكراهية والعدوانية حصرها الاتحاد الدولي لكرة القدم في300 حالة اعتداء علي حكام اوروبيين خلال موسم واحد.. وفي هذا الصدد فقد خاطب فيفا الاتحادات الاقليمية الستة بارسال تقارير واحصائيات عن الجرائم ضد الحكام ولكنه لم يتلق ردا سوي من اتحاد واحد وفي غياب المعلومات والاحصائيات فإن مثل هذه الجرائم أشبه بجرائم الاغتصاب التي لايتم التبليغ عنها في العالم.. وهي إن دلت علي شيء فانما تدل علي ان الحكام ليسوا في مأمن وأنهم تحت سيف التهديد دوما.. فالإساءات توجه اليهم والمواد القاتلة تطلق باتجاههم.. اللاعبون والجماهير تعتدي عليهم.. أحيانا يتم نطحهم بالرؤوس وأحيانا يتلقون اللكمات الخطافية وكثيرا من الاحيان يسقطون أرضا بالركلات ويصابون بارتجاجات في المخ.. وجوههم تدمي وعظامهم تكسر والمحظوظ من يتم تهشيم زجاج سيارته.. وأحيانا تتعرض ممتلكاتهم داخل غرف تغيير الملابس للسرقة بل وفي كثير من الاحيان يتم التحرش بهم عقب المباريات.. السؤال هنا أين النجاة وكيف تتم حماية زوجات حكام يتلقون تهديدات عبر الهاتف؟ هذه الانحرافات التي تطال الحكام الأبرياء تلطخ حقيقة الوجه الجميل للكرة.. غير أن هذه الصور الكالحة لاتقتصر علي الاعتداء بل تتجاوزها الي صورة اكثر قتامة وهي التفرقة العنصرية.. وهذه مشكلة عالمية تصدت لها العديد من المنظمات..