عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حربه المزعومة علي الإرهاب لم يكن يدري أن نهاية هذه الحرب ستؤدي إلي زيادة معدلات الإرهاب حول العالم أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل غزوه أفغانستان في نهاية2001 علي خلفية هجمات11 سبتمبر وما تلاه من غزو العراق في19 مارس2003 مما أحاله إلي مأوي لجماعات وتنظيمات العنف المسلح من عينة تنظيم القاعدة حيث أفسح احتلال العراق المجال أمام ظهور شخصية مثل أبو مصعب الزرقاوي وغيره من القيادات الدينية المتطرفة التي لم يعرفها عراق ما قبل الغزو. واللافت أن تحذيرات عديدة خرجت عشية غزو العراق حذرت بوش الابن من تداعيات مغامرته العسكرية في العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل.. لكنه لم يسمع ولم يفكر وكاد يغرق العراق في حرب أهلية عام2004 لولا تدارك الأمر بتبني استراتيجية زيادة القوات. إن احتلال العراق وقبله احتلال فلسطين وصمت الغرب عن جرائم جنود الاحتلال الاسرائيلي ورفض تبني تعريف محدد في الأممالمتحدة يفرق بين الإرهاب الذي هو عمل غير مشروع يستهدف ترويع الآمنين وبين المقاومة المشروعة للاحتلال ساعد بدون شك في توفير الغطاء لجماعات الإهارب والعنف وفي مقدمتها تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن في الترويج لأفكاره ونشرها علي نطاق واسع مستفيدا من التقنيات والوسائل الحديثة مثل شبكة الانترنت والموبايل فبعدما كان تنظيم القاعدة مقتصرا علي أفغانستان أخذ التنظيم يتمدد ويتشعب.. حيث صرنا نتحدث عن القاعدة في اليمن والقاعدة في شبه الجزيرة العربية والقاعدة في بلاد المغرب العربي.. والقاعدة في الصومال.. وهلم جرا. والأخطر من ذلك أنه من رحم التنظيم خرجت تنظيمات أشد عنفا طالبان باكستان نموذجا وقبلها طالبان أفغانستان التي أحالها الغزو الأمريكي من السلطة إلي المعارضة.. وتحولت الجماعات المسلحة في العراق وأفغانستان إلي نموذج ملهم لنظيرتها حول العالم.. حيث شهد العالم تفجيرات إرهابية متكررة في كل من مترو لندن ومدريد وباريس والرياض والدار البيضاء وتفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية.. وكلها جرائم عابرة للحدود وتستلهم فكر القاعدة. ولولا يقظة الأمن لشاهدنا كوارث أشد مثل محاولة الشاب النيجيري عمر الفاروق خطف طائرة ركاب أمريكية في رحلتها من هولندا إلي ديترويت وتفجيرها في الجو بالتزامن مع احتفالات رأس السنة.. ونفس الشيء عندما فشلت محاولة لاغتيال وزير الداخلية السعودي من خلال حزام ناسف. قبل الغزو الأمريكي للعراق.. لم نكن نسمع عن شيء اسمه الحوثيون في اليمن الذين تمردوا علي سلطة الدولة وتحرشوا بالأراضي السعودية.. كما لم نعرف شيئا عن ظاهرة القرصنة التي هددت الملاحة في المحيط الهندي وخليج عدن وسارعت بلدان عديدة إلي إرسال سفنها الحربية لتأمين الملاحة في الممر المائي العالمي. أيضا لم يعرف العالم ما يسمي بظاهرة الطرود المفخخة التي خرجت قبل أشهر من اليمن واستهدفت عددا من السفارات الأوروبية في اليونان وهو الأمر الذي نشر حالة من الرعب خشية نجاح مرسلي هذه الطرود في ارتكاب مجزرة علي غرار محاولة تفجير ميدان تايمز سكوير في قلب مدينة نيويورك العام الماضي عن طريق سيارة ملغومة لولا نجاح أجهزة الأمن في المدينة في إبطال مفعولها وانقاذ المدينة من كارثة محققة. لقد ربط تقرير حديث للأمم المتحدة بين أسباب العنف وجرائم الإرهاب. وكشف التقرير جملة حقائق جديرة بالدراسة والتأمل, ومن بينها تلك المتصلة بالعنف والإرهاب في مقدمتها أن الاكتظاظ السكاني في المدن, بحيث صار نصف سكان العالم يعيشون في المدن مع ما تحدثه هذه الظاهرة من خلل متعدد الأبعاد والنتائج بين المدن والأرياف. كما زادت الكوارث الطبيعية( زلازل وفيضانات وبراكين) من بؤس السكان في المناطق التي شهدتها في السنوات الأخيرة, بحيث إن89 في المائة منهم تأثروا بنتائجها السلبية. وقد صارت المدن هدفا لأعمال إرهابية متكررة, كما حصل في لندن ومدريد وباريس, وعدد من العواصم في البلدان النامية. وفوق هذا فإن أكثر من نصف سكان العالم يشعرون بالقلق جراء أعمال العنف والإرهاب, أي انهم في دائرة عدم الاستقرار الأمني. وسجل ارتفاع معدلات الجريمة بما يزيد علي ثلاثين في المائة بين عامي1980 و2000. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة بعد أحداث سبتمبر في العام2001. وكشف التقرير عن وجود نحو مائة مليون طفل متورطين في تهريب المخدرات والبشر والانتهاك الجنسي, وهم منتشرون في شوارع المدن. لقد بات التهديد بوقوع الجرائم التحدي الأبرز لحكومات الدول كافة, وبنوع خاص دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وإفريقيا وشرق أوروبا. وعندما تقود الولاياتالمتحدة حملة عالمية لمكافحة الإرهاب, وصفها بعض المسئولين بأنها حرب علي الإرهاب, يطرح السؤال بعد أكثر من تسع سنوات علي أحداث11 سبتمبر هل نجحت هذه الحرب في اجتثاث الإرهاب؟ أو علي الأقل هل حدت منه في مناطق العالم؟ الجواب الصريح: كلا, هذا ما تفيده تقارير الأممالمتحدة بعدما تضاعفت أعمال العنف والإرهاب أربع مرات, ودخلت مناطق جديدة, مع ما تحمله من تهديدات للسلم والأمن الدوليين. كما زادت الكوارث الطبيعية من بؤس السكان في مناطق عدة من العالم. أكثر المتضررين منها أولئك الفقراء الذين يعيشون في بيوت الصفيح, أو البيوت المتواضعة غير المحصنة. هذا عامل طبيعي بيئي يضاف إلي عوامل أخري اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية, ومن شأنها مجتمعة زيادة أعمال العنف وانتشار الجرائم وصولا الي الإرهاب. لقد توقفت التقارير الأخيرة للأمم المتحدة عند ظاهرتي الحروب الداخلية( تفكك الدول), والكوارث الطبيعية, كسببين رئيسيين لارتفاع عدد الضحايا والمشردين واللاجئين. ومن مراجعة بسيطة لفيضان( تسونامي) في جنوب آسيا, ولأعمال العنف في العراق بعيد احتلاله, ندرك مدي خطورة هاتين الظاهرتين. لقد كانت الحروب التقليدية, أو حروب الجيوش النظامية, هي السبب الأول لسقوط الضحايا أما اليوم فيتعرض المدنيون بفعل الحروب الداخلية, والأهلية المحلية, وبفعل الكوارث الطبيعية لأفدح الخسائر والأضرار المادية والمعنوية. والأهم من ذلك أن النظام الاقتصادي العالمي يعد سببا إضافيا للعنف والإرهاب. فالتفاوت في الدخول, الفردية والقومية, وتآكل الموارد والثروات تحت ضغط الدول الصناعية, وتهديد البيئة الطبيعية بفعل التلوث وتدمير الغابات والأراضي الزراعية.. هذا من شأنه إيجاد هوامش واسعة من البشر لا قيمة لها في الحياة الإنسانية, وهي عرضة للاستغلال ومكمن لأعمال العنف, وانتشار الجريمة المنظمة وغير المنظمة. كل ذلك يضاف إلي تقرير الأممالمتحدة حول الاستيطان الإنساني ليزيد من حجم المسئولية الدولية. إنها مسئولية الدول كافة, وان كانت الدول الصناعية معنية قبل غيرها بتحمل مسئولياتها بفعل قدراتها ونفوذها المتعاظمين. ولا شك في أن الأممالمتحدة صارت أكثر متابعة لهذه القضايا الأممية بعدما تفاقم الخطر, وتهدد الأمن البشري علي المستويات كافة.