لاتزال الدولة تغض البصر عن أهم محافظات الجمهورية في الثروات المعدنية والمحجرية في أسوان, حيث تعد هذه الثروات نموذجا حيا لكنوز تركتها الحكومات المتعاقبة لبعض المستفيدين دون أن تعود علي المجتمع بأي منفعة. في أسوان ثروات كثيرة لاتتوقف فقط عند حد ال439 محجرا للجرانيت والطفلة والرخام, فهناك فوسفات السباعية والحديد والفلسبار والتلك, وأيضا الذهب وكلها تبحث عن من يستغلها. مشكلة أسوان التي تؤرق المواطنين والخبراء دائما تتمثل في خروج هذه الخامات من المحافظة مقابل ملاليم, لتدر ملايين علي مستغليها طبقا للواقع الحالي.. فلا صناعات تكميلية ولا غيرها مقامة علي أرض المحافظة, ولعل ذلك ما انتبه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي أخيرا فأصدر قرارا بإنشاء منطقة صناعية خاصة بالفوسفات في مدينة السباعية, خاصة بعد أن تم وقف مصنع أقامه مستثمر مصري شمال أسوان, لاستغلال هذا الخام في انتاج حمض الفوسفوريك وذلك قبل ثورة يناير, ضمن هوجة أجريوم دمياط التي كانت حديث المجتمع المصري وقتها. ولأن غول البطالة يهدد أسوان بشكل خاص, فقد أصبح لزاما, وكما أجمع الخبراء أن تعيد الدولة النظر في منظومة البحث العلمي والجيولوجي بالمحافظة, للبدء فورا في استغلال الخامات المتعددة, علي أن يتم تصدير الخامات المعدنية والمحجرية من هنا في الجنوب إلي مختلف دول العالم وذلك عبر ميناء برنيس علي ساحل البحر الأحمر, وهو الميناء الذي يطالب المتخصصون والأهالي بتشغيله تجاريا لمستقبل الأجيال المقبلة. عن الحديد سألوني... هكذا يبدأ المهندس عبد المنعم مكي الخبير الجيولوجي ومدير عام مشروع التخطيط الإقليمي السابق, وهو المشروع الذي تم اغتياله وحله بلا داعي من خلال توزيع علمائه وخبرائه علي المصالح والهيئات الحكومية منذ سنوات, يقول مكي: أسوان تملك احتياطات هائلة من خام أكسيد الحديد الشهير علي مقربة من المدينة, وبالتحديد في طريق وادي العلاقي, حيث يصل حجم احتياطي الخام إلي نحو475 مليون طن, وأضاف أنه في تسعينيات القرن الماضي أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية عن اكتشاف هذا الخام تمهيدا لطرح استغلاله وإقامة مصنع للحديد, وبالفعل بدأ العمل فيه, ولكنه وقف لعدة أسباب كان أهمها تدخل الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء آنذاك, وأحمد عز الذي كان في بداية مراحل ظهوره, ليدخل بعدها المستثمر المصري السجن بسبب جرأته وإصراره علي استكمال مشروعه الذي تحولت منشآته فيما بعد إلي خرابات. ويوضح أن أسوان كانت من أهم مناطق إنتاج خام أكسيد الحديد الهيماتيت في مصر في الستينيات, وفجأة وبعد ظهور مناجم الواحات أغلقت مناجم أسوان بسبب ارتفاع تكاليف نقل الخام إلي حلوان, وهو ما يطرق باب السعي نحو إقامة المشروعات التكميلية للخامات في الجنوب وأولها مصنع استراتيجي لصناعة الحديد في ظل توافر الخام وصلاحيته. ويضيف الخبير الجيولوجي عبد المنعم مكي أن منطقة جنوب شرق أسوان تعد من أهم المناطق الزاخرة بالثروات المعدنية المختلفة مثل الكوارتز والفلسبار والمايكا, بالإضافة إلي الرخام والجرانيت اللذين يعدان من أنقي وأفضل خامات العالم, ومع هذا تدار معظم محاجره بطرق وأساليب بدائية تعد تجريفا لهذه الثروة. ويشير الدكتور سيد عبده عميد كلية العلوم السابق بجامعة أسوان إلي ضرورة الاستفادة من خامات أسوان من خلال المشروعات والصناعات التكميلية التي تعود بالنفع علي المجتمع بشكل عام, وقال لا يعقل أن تخرج الخامة من المحافظة دون الاستفادة منها ثم تعود بعد ذلك مجهزة لتباع بأسعار باهظة, وتابع لابد من تحديد نسبة معينة لخروج الخامات من المحافظة, خاصة خامي الجرانيت والرخام اللذين تمتلك أسوان منهما احتياطات هائلة تكفي أكثر من200 عام, مع إلزام المستثمرين بإقامة المشروعات التي تخدم الخامة ذاتها وهو ماسيعمل علي تشغيل الأيدي العاملة والقضاء علي البطالة, كما سيوفر الجهد والوقت ويحافظ علي مرافق المحافظة من التدهور الذي تشهده بسبب ضغوط النقل الثقيل علي الطرق. ومن منتفعي المحاجر تحدث عادل عبدالوهاب قائلا: إنه لا يمانع علي الإطلاق في إقامة مصانع للرخام والجرانيت داخل المحافظة, حيث ستكون قريبة من المحاجر وستوفر تكاليف النقل, وأوضح أن المشكلة تكمن في التسويق وجاهزية الطرق وموانئ التصدير, مشيرا إلي أن هذه الصناعات تحتاج إلي مناطق لوجيستية, ومنفذ بحري علي الأقل مثل ميناء برنيس الذي لايبعد سوي280 كيلو مترا فقط عن طريق وادي العلاقي.