صحيح أن هناك حقا غير مغبون لكل مجتمع أن يحلم بغدٍ أفضل له ولأبنائه من خلال تغيير واقعه... ولكن صحيح أيضا أن هذا الحلم يمكن أن يكون مجرد أضغاث أحلام، بل قد ينقلب لكابوس مخيف، تطيح معه آمال المجتمع فى غدٍ أفضل ... ولذلك لابد أن يكون هناك جهد مستنير للسيطرة على حلم الشعوب العربية فى التغيير ..فالحلم الذى يتحقق من خلال إسالة الدماء يكون كارثة.... والحلم الذى يقوده السفهاء ويتوارى فيه الحكماء يكون زلزالاً.. والحلم الذى يضطلع به من لا ولاء لهم إلا للمال أوالمصلحة ينقلب إلى تسونامى للمجتمع كله... والحلم الذى تختفى فيه أصالة الأمة ويظهر محلها كل خبيث يكون كابوسا مؤلما يتوجب نسيانه مع بزوغ أول خيط للنهار... لا نريد حلما إذا كان هذا الحلم يتحقق على طريق كله وقيعة وشقاق وتفسخ وانحطاط... إن الحلم بالمستقبل يمكن أن يتحول من مجرد حلم يعكس طموح مشروع للأفضل، إلى واقع مزرٍ ، وحياة مجتمعية العدم أفضل منها...ولهذا ربما نحتاج اليوم فى مصر وتونس وليبيا وسوريا والعراق ولبنان واليمن ، بل وجميع الدول العربية قاطبة أن نعيد رسم مسار أحلامنا ، لنجعلها أكثر وطنية ، ونضفى عليها بعضا من الحب للوطن، وننزع عنها الكثير من الأنانية ومن البغض للآخر... ولكن... هل نملك إعادة صياغة مدخلات »ماكينة الأحلام « ؟ أم أن العيب فى الماكينة التى أنتجت الحلم نفسها؟ .... لا أظن العيب فى الماكينة التى صنعت لنا حلمنا، العيب فينا نحن، الذين طمسنا كل معطيات »تصنيع الحلم « المنطقية ، وتصورنا أننا خدعنا الماكينة لكى تقدم لنا حلما أكثر نرجسية مما نستحق... ,أعمق انتشارا مما نقدر عليه... أوسع مساحة مما نستطيع أن نباشره ونتحكم به...حلما يتجاهل حتميات التاريخ وموروثات الثقافة ومستقر العادات والأعراف التى طالما تباهينا بها دهرا ... لقد أتتنا الحرية على حين غفلة منا... فطفقنا نقصف بعضنا بعضا ، لأننا تصورناها إنجازات فئوية، من أسهم أكثر فيها ، فله نصيب الأسد من كعكة المجتمع، ورأينا البعض يوجه اتهاما للآخر على الشاشات ، بأنه لم يذهب طوال عمره إلى التحرير.. وكأن ميدان التحرير أصبح بطاقة الوطنية والحب لمصر ، ورأينا البعض الآخر فى مصر أيضا يزاحم ويقاتل غيره فى قنوات الفضاء لإثبات أحقيته بالثورة وصفة ثائر..لأنه أمضى وقتا أكثر نائما ومعسكرا ومعتصما ومتظاهرا أشعثا أغبر .... ومقاتلا للشرطة أو منابذا للجيش... إن آفة الأقوام أن تفقد بوصلة الحبيب والعدو، فتسقط ضحية لرؤية مغيبة عما هو طيب وما هو خبيث...وعندما يحدث ذلك يأثم من يشارك ومن يشاهد ولا يكترث بالقدر نفسه ، عندما نرى البعض يهاجم البعض، ويكيل له الاتهامات المتنوعة والسخية، لأنه له رأى مخالف ، أو يرى الأحداث برؤية مغايرة... لقد سقطت مجتمعات ثورات اللهيب العربى فى مستنقع الحلم الكابوسي... لأنها ببساطة شديدة أسلمت قيادها فى لحظة ضعف وضبابية أعقبت الثورات لقوى غير أمينة على أهلها ومجتمعها... وبينما تتجه مصر وتونس للنجاة، أخفقت بعض هذه المجتمعات فى تلمس سبل التخاطب المعتدلة مع معطيات الواقع الداخلى لكل مجتمع... ولعل هذا الإخفاق متصور ومبرر..ولكن إلى حين..بعدها يجب أن نفيق ونعود لجادة الصواب... أحسب أننا أخطأنا عندما ارتضينا أن نحكم كشعوب لمدد بالثلاثين عاما بل يزيد، تحت نفس الفرد الحاكم القاهر... ولكنى أيضا على يقين أننا عندما أذن لنا أن نثور، وجهنا ثورتنا على عدو ليس بعدو... وتوجهنا بغضبنا إلى منافس ليس بمنافس... القوى السياسية القائمة ومؤسسات الدولة وأفراد المجتمع ليس أى منها عدو للآخر...ولكنها يكمل بعضها بعضا،ً وعليها أن تعمل تحت نفس الإطار وبنفس منطق المواطنة وحب الوطن الذى يظلنا جميعا بلا تفرقة ..فقط عندئذٍ نكون قد أفلتنا من فخ الثورة الكابوس...إلى رحابة التغيير المنشود .