تقول أمثالنا الشعبية.. من جد وجد, و اللي يقدم السبت يلاقي الأحد, و من قدم شيء بيداه التقاه, و من زرع حصد, و لا تبعد السياسة كثيرا عن مضمون هذه الأمثال, فالنتائج هي حصيلة بناء متراكم عبر السنين يعلو و يكبر كلما أضفنا له و لعل حالة السودان المحزنة دليل علي كل ما سبق, فقبل سنوات استقرت الأحوال علي تنظيم استفتاء لمنح سكان الجنوب حق تقرير المصير, و انطلقت الصيحات و الدعوات من كل صوب و حدب, من سيقنع الجنوبيين, أفكار الوحدة و إستمرار السودان الموحد, أم الانفصال و بناء الدولة المستقلة. الدولة الموحدة لها شروطها, أولها غزالة المرارة الكامنة في النفس من آثار الحرب الأهلية المستعرة التي خلفت ضحايا بشرية و خسائر مادية عميقة تركت أثارها علي أهل الجنوب و الشمال علي حد سواء, و ثانيها صياغة ثقافة بديلة تحقق للتنوع السوداني العرقي و الديني التعايش و التفاهم بدلا من الإقصاء و الإبعاد و ثالثها خلق واقع مجتمعي جديد يغري اهل الجنوب علي البقاء في الوطن الموحد. مرت السنوات و لم تقدم الحكومة السودانية ما يحقق الجديد القادر علي إقناع الجنوبيين بالاستمرار في الوطن الموحد, بل صاغت من السياسات ما شجع افكار الانفصال علي الانتشار, فأصبح الانفصال واقعا قائما حتي قبل الإستفتاء. لم يبعد العرب كثيرا عن دائرة المسئولية, فالاجتماعات انعقدت كالعادة, و تأسيس صناديق التنمية و التمويل و المنح و المعونات تمت بدقة كما يصفها الكتاب من أجل مد يد الدعم و المساعدة لأهالي الجنوب, لكن ذلك كله كما الأحلام الجميلة التي تنتهي بالإفاقة من النوم. ثم نأتي بعد كل ذلك و نتحدث عن المؤامرة الصهيونية الأمريكيةالغربية الساعية لفصل الشمال عن الجنوب, و الانفراد بالأخيرة من أجل ثروات النفط و الثروات الطبيعية و مياه النيل إلي آخره من بقية الجملة المعتادة لتبرير فشلنا المتكرر. نعم هناك مؤامرات.. و السياسة أصلا مؤامرات.. و الأهداف تتحقق بالمصالح.. و الأخيرة بعضها مؤامرات.. و لكن السؤال لماذا تنجح مؤامراتهم فقط؟ [email protected]