ما موقع النظام التعاوني علي خريطة النظام العالمي الجديد؟! ما هي صورة النظام التعاوني في القرن الحادي والعشرين؟! ما هو مستقبل النظام التعاوني وسط المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية المتلاحقة علي امتداد العالم؟! اسئلة طرحت نفسها بإلحاح علي الساحة التعاونية خلال الشهور الأخيرة ناقشها الحلف التعاوني الدولي في مؤتمره الأخير.. ومن خلال دراسات وقرارات وتوصيات مهمة وصدرت عنها عشرات المؤلفات لعلماء وخبراء التعاون. ومن أبرز الدراسات التي صدرت في هذا المجال والذي ترجمته عن الألمانية للعربية مؤسسة فريدريش مكتب القاهرة, التعاونيات علي نهج المشروع الخاص, للدكتور يؤخين روبكة أستاذ اقتصاديات التعاون بجامعة ماربورج بألمانيا. الدراسة تضم11 فصلا تتناول قضايا مهمة هي: نهج المشروع الخاص وظائف تنظيم المشروع التعاوني التعقيد والمعرفة وتنظيم المشروع التعاوني شروط تطور التعاونيات محددات السلوك التنظيمي التعاوني أنماط منظمي المشاريع التعاونية الخصائص الشخصية والحفز السلوكي لمنظم المشروع تقسيم الوظائف بين منظمي المشاريع التعاونية دينامية عملية التعليم التعاوني النهوض بتنمية التعاونيات مشاكل النهوض بالتعاونيات والفكرة المحورية التي تدور حولها الدراسة تنظيم المشروعات التعاونية علي أساس نهج المشروع الخاص ويؤكد الدكتور فتحي باطة في مقدمة الدراسة أنها تتضمن عرضا يتخطي ما هو تقليدي ومألوف إلي آفاق تجديدية تحث علي إعمال الفكر, لانتشال التعاون في كثير من الدول النامية من الأوضاع المتدنية التي آلت إليها, وأن الدراسة تبدأ من حيث ينتهي السرد التاريخي للتعاون, وهو شيء لا نشكك في قيمته الموضوعية بوجه عام, بقدر ما يبدو أنه لا طائل عمليا من ورائه, إذ ما كان الفكر مهموما بإقالة التعاونيات من عثرتها. ويري الدكتور باطة أن الدراسة ترشد إلي أفضل الأساليب التي يمكن انتاجها إلا أنه لا يقدم حلولا جاهزة, تاركا المهمة لوكلاء التغيير والمعنيين بالنهوض بالتعاونيات والتنظيم, وهو بيت القصيد في الدراسة, وحوله يدور علاج التعاونيات كي تقوم من كبوتها وبذلك يكون هناك خياران: إما إعادة هيكلة التعاونيات القائمة, أو إنشاء مؤسسات اقتصادية تعاونية جديدة تقوم علي انقاض القديمة, ويكون فيها المنظمون بمثابة مفتاح للتنمية التعاونية التي تستهدف النهوض بمستوي رفاهية الأعضاء, علما بأن مهمة المنظم التجديد بمعني: انتاج السلع الحديثة, ووضع المخترعات موضع التنفيذ العملي التجاري المربح, وإجراء التعديلات والتبديل في أساليب الانتاج والإدارة والتنظيم, علاوة علي فتح الأسواق الجديدة, وهي مهام تؤدي إلي النمو الاقتصادي الذي يسير جنبا إلي جنب مع تدفق الأرباح. ويؤمن الدكتور روبكة بالدور الذي يمكن أن تقوم به التعاونيات العالية الكفاءة الخدمية التوجه في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف النهوض بمستوي رفاهية الأعضاء من خلال تدعيم اقتصادياتهم الفردية والأسرية المعيشية. ويري الدكتور فتحي باطة في تقديمه للدراسة أن عمليات الاصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي في مصر صارت تستوجب, بل تفرض إعادة النظر في أوضاع الحركة التعاونية فرضا لتتحول لبناتها وهي الجمعيات التعاونية الأساسية إلي تعاونيات حديثة عالية الكفاءة في ظل ديمقراطية الادارة, وبحيث تتوافق نشاطاتها وأساليب عملها من اقتصاد السوق الحر المتنامي, ويكون لها مردود اقتصادي واجتماعي يثمر مخرجات ايجابية للمجتمع ككل, ويعود بالفائدة علي ملايين الأعضاء التعاونيين في جمعياتهم, وهناك من الشواهد ما يدل علي أن بمقدور الجمعيات التعاونية التي تعمل في القطاعات الاقتصادية المتعددة بكفاءة وأداء عال, أن تقدم فرصا متكافئة للأعضاء ليشغلوا كل بحسب همته ونشاطه وقدرته المهنية شرائح الطبقة الوسطي التي بدون اتساعها طولا وعرضا يتعذر تحقيق الرفاهية الاقتصادية المأمولة للمجتمع بأسره. ويري الدكتور روبكة ضرورة ارتكاز السياسة التعاونية علي ثلاثة مبادئ مهمة وهي: إحلال هدف تدعيم الأعضاء محل الأهداف الأخري التي تفرضها الحكومات علي الحركة التعاونية وأن تتم عملية تدعيم وتشجيع التعاونيات علي أساس انتقائي في ظل استراتيجية تعاونية وتشجيع الأخذ بنهج المشروع الخاص في التعاونيات مع التركيز علي النمط الحفاز. في البداية يسجل الدكتور روبكة أنه إذا نظرنا إلي دول العالم الثالث نجد أن هناك نفسيرات عديدة لأسباب ضعف مستوي الأداء في الجمعيات التعاونية, بل وفي غيرها من منظمات المعونة الذاتية. والسؤال المطروح: لماذا تبدو التنمية التعاونية, وكأنها قد ضلت طريقها في كثير من الدول الفقيرة حتي أصبحت تبدو كأمل بعيد المنال؟! ويري أنه للإجابة علي السؤال يجب أن تتخطي تلك الشروح والتبريرات التقليدية التي غالبا ما تمثل في حد ذاتها مشكلة, أكثر مما تقدم حلا للمعوقات التي تواجه الجمعيات التعاونية. أما بالدول المرتفعة الدخل, ففي حين تستطيع التعاونيات المتمسكة بالإدارة الروتينية البقاء ومزاولة النشاط لبعض الوقت, إلا أنها استمرارية موقوتة, وما كان لتكتب لها الحياة, إلا بسبب ما تم اتخاذه من اجراءات تنظيمية سابقة, ترتب عليها إقامة بيانات وتنفيذ برامج تعاونية تكيفت مع احتياجات الأعضاء, ولاتزال تلك التعاونيات حتي الآن قادرة علي التصدي بكفاءة لتحديات التنافس بالأسواق. وتسجل الدراسة أنه عندما ندقق النظر في دول الشرق أوسطية وشمال أفريقيا, نجد معظمها تخوض غمار عمليات التكيف العميقة, والتحولات الجذرية, مما يحتم علي المنظمين التعاونيين اقتحام عمليات التحول ذاتها بدلا من التردد أو الانتظار هذا وإلا فإنه لن يقدر للتعاونيات أن تتحول إلي مؤسسات أعمال قابلة للحياة, وقادرة علي مقابلة التنامي للحاجات الاقتصادية والاجتماعية للأعضاء. وغني عن البيان أن الاسلوب الروتيني لأداء الدور المطلوب أو للوفاء بتدعيم اقتصاديات الأعضاء لا يحقق الأهداف المنشودة. وفي تصور الدكتور روبكة أن الجمعية التعاونية بصفتها مؤسسة اقتصادية تعاونية لابد أن تستوفي المعايير الآتية: يتحد الأفراد في جماعة تعاونية من أجل مصلحة مشتركة أو هدف مشترك واحد علي الأقل. تسعي الجماعة التعاونية إلي النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للأعضاء بالمشاركة والاعتماد علي الذات. يقوم المتعاونون مشروعا اقتصاديا يملكونه بشكل جماعي لتحقيق هدفهم المشترك. يقوم ذلك المشروع ذو التوجه الخدمي بتقديم السلع والخدمات التي يحتاج إليها الأعضاء لتدعيم اقتصادياتهم الفردية ووحداتهم المعيشية. وبذلك تتحدد معالم التعاونيات الحديثة التي تسير علي نهج المشروعات الخاصة علي أنها مؤسسة للعون الذاتي, تقوم علي المشاركة بين أفراد الجماعة التعاونية, الذين يقيمون مشروعا اقتصاديا ليستفيدوا من خدماته الفعالة, التي يشتركون معا في تقديمها, من أجل النهوض بمستوي الأعضاء الاقتصادي. وتسجل الدراسة أن المنظم الروتيني بمعني المدير المتصرف, وأن النهج الرئيسي للمشروع الخاص يتعامل في محدده يمكن ادراكها وتقييمها علي نحو صحيح, ومن ثم تتمثل وظيفة المشروع, في إعادة تخصيص الموارد وبالتالي تحقيق التوازن. وتري الدراسة أن ربط التعاونية بنهج المشروع الخاص يتصل بداهة اتصالا وثيقا بأنماط الأداء التعاوني, إذ لا تستطيع التعاونية تدعيم اقتصاديات الأعضاء ما لم تعرف أسباب ما يواجهونه من مشاكل وصعوبات, ولا تستطيع التعاونية حل مشكلة دون إزالة أسبابها, ولا تستطيع التعاونية تدعيم اقتصاديات الأعضاء ما لم تعرف أو تكتشف أسباب ميزتها النسبية بالمقارنة بمنافسيها بالمعني الذي يجعل التعاونية في زمان ومكان معينين قادرة علي تدعيم الأعضاء بدرجة من الكفاية والفعالية تفوق غيرها من المنظمات أو مؤسسات الأعمال الأخري. هذه صورة سريعة لدراسة التعاونيات علي نهج القطاع الخاص.. وهي تؤكد أنه لا بديل للتعاونيات وهي أرقي وأنقي صور القطاع الخاص إلا الأخذ بقوانينه وإلا الزوال للتنظيمات التعاونية.