القرار السعودي بالتدخل العسكري في اليمن كان حتميا ومصيريا, لأنه بدا أكبر من مواجهة تحولات بالغة الخطورة في موازين القوي الداخلية في اليمن لغير صالح الاستقرار ولغير صالح الشرعية فضلا عن أنه أبعد من انتكاس المبادرات الخليجية لحل الأزمة, بل وأبعد من فشل فكرة الحوار الداخلي في تجاوز الأزمة السياسية الداخلية. ولا يمكن فهم العاصفة السعودية بعيدا عن تعقيدات الوضع الاقليمي, الذي أفرز في الأخير تعاظم دور إيران وتمدد نفوذها السياسي والعسكري, حتي أن مليشياتها وأذرعها المسلحة تكاد تنتشر علي شكل كماشة تقع دول الخليج بين فكيها, ويتعاظم هذا النفوذ والتهديد يوما بعد يوم, كما لا يمكن فهمه سوي في ضوء تغير دفة القيادة في المملكة, وعلي ما يبدو أن سياسات جديدة للتعامل مع هذا الخطر واردة بقوة. المخاوف السعودية مفهومة في ضوء الحوار الايراني الغربي المفتوح علي احتمال التوصل لتفاهمات متعددة, ربما أهمها الاتفاق بصورة نهائية علي معالجات للملف النووي الايراني, وهو إذا ما تم حسمه, فسيحرر إيران من ضغوط العقوبات, وهذا بدوره سيفتح المجال لإيران لتلعب دورا أكبر في المنطقة, لكنه في تلك المرة من موقع أكثر أفضلية, والمخاوف تتزايد في ظل تمدد نفوذ إيران تحت سمع وبصر ومباركة الولاياتالمتحدة في سوريا والعراق ولبنان وربما اليمن وما خفي كان أعظم. ومن ثم يمكن القول إن العملية العسكرية التي تقودها السعودية بداية تحول مهم في السياسة السعودية باتجاه المبادرة بمعالجة التحديات التي تهدد المملكة, كما تفهم أبعادها في ضوء عجز جميع الخيارات الأخري عن تطويق المخاطر المتصاعدة في الإقليم سواء من خلال الجامعة العربية أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة, أو حتي من خلال الحلفاء. وإذا كانت العملية بمثابة مبادرة مهمة, فاعتقد أنه لا بد أن تكون ضمن عدة خطوات علي مستويات متعددة عسكرية كانت أم استراتيجية, بحيث لا تتوقف علي اليمن فحسب, فالخطأ الاستراتيجي السعودي أنها عولت علي شركائها الاستراتيجيين لا سيما الولاياتالمتحدة والغرب في حماية مصالحها, والإبقاء علي أوراق ضغط ما تفرض علي هؤلاء التحرك في الاقليم بما يتناسب مع حجم المصالح المتبادلة, وربما نفهم في هذا السياق رغبة المملكة في استعادة الإمساك بأوراق الضغط التي فرطت فيها خلال المرحلة الماضية, كالعلاقة مع حركات المقاومة الفلسطينية, أو الضغط لمعالجة بعض المشكلات الداخلية في بعض الدول. المهم إجمالا فإن السعودية عليها عبء كبير في تهدئة التوترات داخل مجالها السني, لهذا عسكريا من الخطأ أن تبدأ العملية وتنتهي, دون أن تتم معالجة نهائية للأزمة اليمنية بما لا يسمح بانتكاسة جديدة تعيد الحوثيين للعب دور سياسي وعسكري أكبر من حجمهم ووزنهم السياسي في اليمن, وبما يضر بحالة الاستقرار الداخلي, أو بما يحول اليمن لبؤرة استقطاب واستنزاف عسكري لدول الخليج, وهو ما يستلزم انتشارا عسكريا أوسع وقيادة عملية واسعة للقوات المشتركة البرية والبحرية والجوية. أما استراتيجيا فلابد من اعتبار العاصفة تستهدف وضع حد لطموحات إيران غير المشروعة في المنطقة, والتي تستند إلي توظيف المذهب الشيعي في إشعال الصراعات في المنطقة, ومن ثم يجب عدم فصل المعركة عن مسارح العمليات التي تشتبك فيها القوتان سواء في سوريا أو لبنان أو البحرين أو أي منطقة قد يستجد فيها الصراع, ومن هذا المنطلق لا بد من الضغط بقوة لتغيير ميزان القوة في سوريا لصالح المعارضة الأكثر اعتدالا, وذلك موصولا بإستراتيجية شاملة في لبنان والعراق لمواجهة نفوذ إيران المتزايد, كما لا بد من ممارسة ضغوط ذات تأثير علي القوي الكبري بأن الاستقرار في المنطقة في كفة, ومصالحها في كفة أخري, وباستخدام ثقل الرمزية الدينية التي تمثلها المملكة في المحيط السني, وذلك لقطع الطريق علي معدلات الثقة المتزايدة من جانب الولاياتالمتحدة في إمكانية التعويل علي دور إيراني متقدم في المنطقة علي حساب السنة, باعتبار الإسلام الشيعي بالنسبة للولايات المتحدة قد يكون كنزا استراتيجيا بديلا لحماية وهندسة مصالحها.