منذ سنوات وسنوات لم تغب مطلقا النداءات المتتالية للعرب أن يحتشدوا... حتي أذن الله لنا في يوم وساعة مقدرة أن يتحقق الحشد العربي ولو بشكل نسبي لكي يبدو العرب, ولو لمرة تضاف للمرات النادرة كأمة واحدة, تهددها نفس المخاطر, وتربطها نفس المصالح... ولكن المميز في القمة العربية الأخيرة أنها تأتي في آونة غير مسبوقة عربيا وإقليميا.. أما إنها غير مسبوقة عربيا... فالقمة تأتي منقوصة.. لغياب عدة دول عربية فاعلة في معادلة الأمن العربي المشترك.. وهي سوريا والعراق وليبيا واليمن... وغياب هذه الدول اعتباريا.. حيث إنها سقطت إلا قليلا في فخاخ التفتت والحروب الداخلية... فأفقدت مع سقوطها رصيد العرب من القوة والحشد قدرا كبيرا.. إذ لا يخفي علي أحد تأثير هذه الدول التي كانت لها حتي وقت قريب, شنة ورنة.. وكان يعمل لها حسابها في موازين السياسة الإقليمية والدولية.. وبالطبع أثرها كان ظاهرا في السياسة العربية العربية.. إما لكونها غير مسبوقة إقليميا.. فلم تشهد منطقة الشرق الأوسط في تاريخها هذا الفيض من الغليان والتهديد, الذي عصف بالدول القوية بالمنطقة, كما لم تشهد المنطقة كذلك هذه الشراسة في المطامع الإقليمية لقوي ذات شأن في الإقليم مثل تركيا وإيران وإسرائيل.. لقد كشرت هذه القوي, ودون مواربة أو استحياء, عن مطامعها في العبث بمقدرات العرب.. وكأن العرب لقمة سائغة.. ومطية طائعة, في أيدي العابثين والطامعين.. والذي يضاعف من التهديدات الإقليمية, ويجعلها تأخذ منحي أكثر خطورة وتهديدا للعمق العربي العربي, أنها تتواكب مع العديد من الثورات التي ضربت عدة دول عربية مؤثرة.. مثل مصر وسوريا وتونس وليبيا... ومعلوم يقينا أن الثورات عندما تقوم.. يصاحبها هشاشة واضحة في دوائر السيادة والسيطرة ومعادلات القوة التي تميز الدولة المستقلة القوية عما سواها... ومن الطبيعي أن يكون هناك المتربصون.. من القوي الإقليمية والدولية.. الذين يجدون في هذه الأجواء فرصة سانحة لدفع أجندات مصلحية لهم.. لا تتفق في معظم الأحيان مع مصالح المجتمعات في المنطقة العربية.. وهذه هي الطامة الكبري في شأن ثورات الربيع العربي.. أنها امتطت آمالا شعبية مشروعة في الإصلاح والكرامة.. لكنها إما أسلمت قيادها بسذاجة أو وقعت عن غير رغبة أو تبصر منها في شراك العبث الإقليمي والدولي للقوي الكبري.. فغابت الصفة الوطنية في الكثير من التصرفات التي أريد لها أن تلتصق بالثورات العربية.. وفي ظل هذه الصخب الداخلي والثورات والغليان والأزمات الاقتصادية, ونقص الوعي السياسي وأخطاء الإدارة غير الرشيدة لاهتمامات وحاجات المواطن العربي البسيط, كل ذلك مدعوما بغياب الوعي المجتمعي بطبيعة التحديات وأثر المخاطر علي كيانات المجتمعات العربية, الرسمية والمجتمعية سواء بسواء, أفضي إلي حالة الوهن والتردي العربية التي نراها تحيط بنا في السنوات الأخيرة... لكل هذه الاعتبارات.. فمذاق القمة العربية هذه المرة يكتسب طعما أكثر أهمية, ويأخذ شكلا وجوهرا أعمق من أي مؤتمر سبقه في التاريخ الحديث للعرب أو حتي القديم.. ولكن علينا ألا نفرط في تقييم أثر المؤتمر.. حي تتبين ملامح الخطوات التي تليه.. لكي تجعل منه قاعدة لاستعادة الحملة القومية, والدفاع عن أمة العرب بشكل منهجي مستقر... ومؤسسي مخطط له... لتكفل زخم الاستمرارية.... من حق الأمة العربية أن يكون هذا المؤتمر انطلاقة نحو تكامل عربي.. بل أيضا نحو ترسيخ آليات منضبطة قومية عربية الجوهر, والشكل لحل مشاكل المنطقة, دون الركون إلي القوي الدولية.. فنحن العرب لسنا مجتمعات هيئة أو قوي خاوية.. بل نحن قوة هائلة إن تكاملت... وزخم ثري من النفوذ لو توافقت توجهاتنا.. وقدرة عددية ومالية وعلمية لها قدرها الفاعل جدا دوليا.. شريطة أن ندرك احتياجنا الشديد للتكاتف سويا.. بشكل مستقر ومستمر.. وليس فقط لأننا مهددون بالمخاطر.. اللهم فاشهد.