فى ظل ما أعلنه وزير الخارجية الامريكى جون كيرى من اقتراب حدوث اتفاق مع إيران بخصوص ملفها النووى خلال ثلاثة أشهر من الآن، بدأت التصريحات الايرانية تتوالى لكى تفصح عن الدور الجديد لإيران تجاه المنطقة العربية بعد أن ظلت طهران تعمل لذلك خلال العقود الماضية بطريقة "التقية" تحت شعارات الثورة الإسلامية والدفاع عن المستضعفين واستقطاب الشيعة فى العالم العربي، وفى مناطق مختلفة من العالم. وقد جاءت تصريحات على يونسى مستشار الرئيس الإيرانى حسن روحاني، والذى كان مديرا للاستخبارات فى وقت سابق، لكى تضع النقاط على الحروف وتنهى حالة الخداع طويل الأمد، حيث أعلن أن إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وأن عاصمتها فى الوقت الحالى هى بغداد، وهى "مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت فى الماضى". مشيرا بذلك الى ماضى الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التى كانت تحتل العراق وتتخذ من "المدائن" عاصمة لها. وأفصح الرجل عن النوايا والأهداف الكامنة حين ذكر "أن جغرافية إيرانوالعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معاً أو نتحد". وهذا يعنى نية ايران ابتلاع مناطق شاسعة من العراق، وهى تلك المناطق التى يقطن فيها اتباع المذهب الشيعى وتتركز فيها معظم ثروات العراق، حيث يتم استخدام الحرب على داعش لتنفيذ هذا المخطط بإدخال اسلحة وقوات إيرانية وتدمير مناطق السنة وإجراء فرز طائفى أيضا فى الوقت نفسه. وهاهى صور قاسم سليمانى تنتشر فى تكريت وفوق قبر صدام حسين. يونسى أعلن أيضا أن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وإننا "سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءًا من بلادنا، وسنقف بوجه التطرف الإسلامى والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية". بما يعنى أيضا الاستمرار فى إغراق المنطقة كلها فى حالة من الفتنة المذهبية والطائفية لتحقيق طموحات وأهداف توسعية إمبراطورية. فتصبح داعش على سبيل المثال نتاجا للتطرف والهيمنة الشيعية فى العراق، وتستخدم أيضا كمبرر لاستمرار وتوغل الهيمنة والتوسع. الأمر الذى توضحه تصريحات على شمخانى أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى والتى أعلن فيها أن إيران منعت سقوط بغداد ودمشق وأربيل بأيدى متطرفى "داعش"، وأننا أصبحنا الآن على ضفاف المتوسط وباب المندب. والحقيقة المرة هى أن التمدد الايرانى الفعلى على الأرض أصبح واقعا، ففى سوريا على شاطئ المتوسط، يطالب الائتلاف المعارض بإعلان إيران قوة احتلال، حيث طغى الوجود الإيرانى فى سوريا على كل القوى المقاتلة فيها، وحيث تسعى إيران حاليا لتغيير نمط وجودها، عبر فتح مراكز لتدريب مقاتلين عرب من العراق ودول الخليج واليمن، لتخفيض الوجود المباشر للمقاتلين الإيرانيين، وأيضا لكى تنقل هذه الفصائل العربية تجربتها القتالية العالية إلى بلدانها الأصلية فى وقت لاحق. وفيما يتعلق باليمن تتحدث إيران وكأنها قد أصبحت منطقة تحت الانتداب او الحماية، وأنها تعتبر أمن اليمن من أمنها، وأن التشاور بين دول المنطقة للحفاظ على التعاون الاقليمى بمشاركة الجميع أمر ضروري. وهذا يعنى رسائل تحذير وتهديد واضحة للسعودية وبلدان الخليج الأخرى. إن إفصاح إيران عن بدء مرحلة هيمنتها على المنطقة بهذا الشكل السافر، ليس إلا نتاجا للسياسات الأمريكية التى سمحت بهذا التمدد الإيرانى فى ظل ضعف الدول العربية، لابتلاع المنطقة وإعادة تقسيم النفوذ والمصالح فيها بين بين أمريكاوإيران، وكما حدث فى سايكس بيكو الأولى عام 1916، يتكرر الأمر مرة أخرى بعدها بقرن كامل.