إن أحدا لا يعرف فضل الرسول العظيم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم, وأحاط بما كان عليه الناس من عقائد, والشعوب من أوضاع, والعرب خاصة من عادات وتقاليد, ثم عاش مرة أخري بعقله وروحه مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في شمائله وأخلاقه, وشخصيته وروحانيته, ومع شريعته في قرآنها وسنتها, يبحث بحث المحب المخلص في أسس هذه الشريعة وعقائدها وفلسفتها ونظمها وأدابها, وبذلك فحسب يتجلي له فضل الرسول وخلوده وجدارته التي هيأه الله بها لتكون نبوته خاتمة النبوات, وتكون شريعته خاتمة الشرائع, ويكون هو شخصه خاتم رسل الله وأنبيائه, وجمهور المسلمين اليوم وإن كانوا يحتفلون كل عام بذكري مولده محجوبون عن التعرف إلي هذه الحقائق, بالفهم لدينهم الذي ولدوا في أجوائه, كما يألف صاحب البيت بيته الذي ولد فيه, وكما تطول صحبة الولد الغافل لأبيه العظيم, مما صرفهم عن إدتمة النظر والبحث في أثر الرسالة الإسلامية في تاريخ العالم, وأثر الرسول في تاريخ الحضارات, وأثر دعوة الإسلام في تحرير الإنسان تحريرا لم تدانه دعوة في القديم, ولم تشابهه دعوة في الحديث, ولن تلحق به دعوة يقوم بها أي عظيم في التاريخ, مهما تتجمع له من صفات العبقرية والإلهام, وأسباب الفوز والنجاح. ميلاد الرسول العظيم يذكرنا بفضله علينا فنحن المسلمين مدينون لرسول الله صلي الله عليه وسلم في نجاتنا من الوثنية المظلمة التي لا يزال يعيش فيها آلاف الملايين من البشر, رضوا لأنفسهم أن يتخلفوا بعقولهم عن ركب التفكير العقلي الحضاري, ويعيشون كما كان يعيش ويفكر الإنسان البدائي قبل عشرات الألوف من السنين. كما اننا مدينون لرسول الله في نجاتنا من الوحدانية المشوهة القلقة التي لا تلتقي مع طمأنينة العقل وسكن الضمير التي تعرف بالتشدد والتطرف الديني ونحن العرب مدينون لرسول الله صلي الله عليه وسلم بوحدة لغتنا التي نتكلم بها لسانا واحدا وبيانا واحدا. ومدينون لرسول الله بامتداد وطننا من شواطئ المحيط الأطلسي, إلي الخليج العربي, إلي جبال طوروس, وطنا جمع من أسباب القوة والثروة والجمال ما لم يجمعه وطن علي ظهر الأرض ومدينون لرسول الله صلي الله عليه وسلم بوحدة أمتنا وحدة كاملة في الهدف والشعور والأمل والألم علي تعدد أقطارها وبيئاتها المحلية, وحدة لم تجتمع لشعب من شعوب الأرض بهذا المظهر الإنساني الرائع. نحن العرب والمسلمين مدينون لرسول الله صلي الله عليه وسلم دينا لا نستطيع نكرانه وجحوده, فإن يكن بيننا منكر أو جاحد, فبحسب كل عربي صادق وكل مسلم مخلص, أن يعاهده بأن يكون له من الأوفياء المخلصين فسلام عليه يوم ولد ويوم أعطي ويوم بلغ الرسالة ويوم انتقل إلي جنب الله وصلاة وسلاما عليه وعلي أصحابه الغر الميامين.