حين تتحدث عن الثقافة في مجتمعنا تفاجأ بأنها بالنسبة لعديد ممن يدعون الثقافة تعني الاستماع إلي بتهوفن وقراءة روايات تولوستوي ولا تعني مطلقا معرفة أساسيات العلم البحت أو التجريبي في مفارقة قلما تجدها في أي مجتمع يطمح لأن ينفض عن كاهله ظلمات الجهل! وللأسف غالبا ما نسمع هذا حتي من أساتذة جامعيين خاصة من الخلفية النظرية, وهو أمر ينبئ بكارثة خاصة مع عزوف الغالبية عن الالتحاق بالقسم العلمي في الثانوية العامة في وقت نحن في أشد الاحتياج فيه للعمل العلمي وخاصة التقني. وللأسف تتقلص مساحة العلم يوما بعد يوم في مجتمع هو أحوج ما يكون لأن ينفض عنه تلال التخلف الذي يحياه. من قبيل التندر أن نشير إلي تدني المستوي العلمي للمجتمع بل والمستوي الإنتاجي له ومنها غياب النظرة العلمية لقضية الثقافة العلمية والتي لا يمكنها أن تطفو علي السطح إلا من خلال نظرة كلية للمجتمع, نظرة هندسية للبناء آخذة في اعتبارها مختلف جوانب التنمية والتقدم والرفاهة. حين تثار قضية الثقافة العلمية لابد لنا من معايير لقياسها من خلال ما يطرحه التعليم والإعلام والأسرة وغير ذلك من مختلف جوانب بناء الفرد. ولا يقف الأمر عند عرض القصص العلمية بل يجب أن يمتد إلي إبراز الجوانب العلمية المضيئة في تاريخنا وأن نعرض أساسيات العلم بصورة مبسطة وأن نعطي النموذج في ذلك. يقودنا الأمر إلي شحذ العقل كي يفكر في كل ما نراه وندركه. وهنا يجب أن نتذكر كيف قضينا علي مهارات التعامل مع الأعداد في مراحل التعليم المختلفة بالسماح للألة الحاسبة أن تقتحم الفصل في المرحلة الابتدائية حتي بتنا حين نتعامل مع أغلب الباعة نجد أنه يلزمه كي يجمع عشرة علي عشرين أن يستخدم الآلة الحاسبة. لقد كان قرار إدخال الآلة الحاسبة في المدارس قرارا جريئا لوئد ملكة التعامل مع الأعداد للناشئة والذين أصبحوا الآن شباب المجتمع. حين نتحدث عن الثقافة عادة ما نتحدث عن السينما والقصص والروايات والمسرح وغيرها من المناشط ولكننا نغفل نوادي العلوم والألعاب التي تحث علي التفكير وقصص رواد العلم وكتب المهارات التقنية وغيرها من جزئيات الثقافة العلمية. ولا يخلو الأمر من مفاجآت حين نجد تبعية قضية الترجمة هي للوزارة المسئولة عن الثقافة وأن نصيب الكتب التي تتعلق بالعلم فيها لا يكاد يذكر في مقابل الكتب والروايات الأدبية. في حوار مع أحد مسئولي أحد مراكز الترجمة القومية يمكننا أن نستشف النظرة غير العلمية للعلم من خلال إنتاج الكتب التي تسمي أمهات الكتب وأغلبها فلسفية بحجة أن هذا هو الطريق الأصح للنهضة رغم أن تلك الترجمات موجودة فعلا, ولكنه التجويد في نظر البعض الذي يفضي إلي هدر الأموال والجهود بلا طائل! أليس الأجدي والأجدر أن نترجم كتب العلم للتدريس الجامعي وكتب تبسيط العلم كي يشيع العلم في المجتمع؟ أين نحن من قول المستشرقة سيجريد هونكة الذي كانت تصف فيه المجتمع العربي إبان حضارته حيث قالت كان المجتمع العربي عالما ومتعلما؟ أتذكر أنه منذ حوالي عقد من الزمان اضطلعت وزارة الشباب بنشر الثقافة العلمية من خلال مراكز الشباب وبتنا ننظم مسابقات ومشاريع لنشر العلم في مختلف المحافظات. كانت تلك أيام لا تنسي حيث كنا نجوب مختلف المحافظات من خلال اللجنة العلمية لوزارة الشباب التي ضمت أساتذة من كليات الهندسة والعلوم عملوا جميعا دون أجر. أستاذ هندسة الحاسبات, كلية الهندسة, جامعة الأزهر [email protected]