لست أعرف سببا,أستطيع أن أقصه لكم عن الدافع الذي جعل رواية سعيد أبو النحس المتشائل للكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي,تقفز أمامي كلما جلست إلي جهاز الكمبيوتر كي أكتب مقالة الإثنين من بعيد, فقط يمكنني أن أقول إنه لكي أبعد الرواية عن ذهني أستغرقني ذلك نحو ثلاث ساعات أو يزيد,فالرواية علامة بارزة في تاريخ الغربة والاغتراب في رحاب الأوطان العربية, وهي تحفة فنية مفجعة, وبخاصة أن كلمة المتشائل هذه والتي نحتها إميل حبيبي من مفردتين المتفائل والمتشائم وهي تعني موقفا بين بين. لا يذهب في التفاؤل ولا يذهب في التشاؤل, والحال أن المتشائل, أي موقف اللاموقف يكاد يكون الاسم الأصح لمواقفنا جميعها. ربما تكون أيامنا هذه جزءا من فصول هذه الرواية التي تصف زمن التشاؤل السياسي, محليا حيث تتعقد الحسابات أكثر, ودوليا حيث تطغي أخبار الدم والقتل علي أخبار الفرح والحياة, ولذلك علينا أن نواجه كل صنوف هذا التشاؤم المر,الذي يحيط بنا بجرعات لا تنقطع من التفاؤل والأمل بغد أفضل للجميع. فهل يعود سبب بروز هذا الاحساس إلي أن الواقع الذي نعيشه, أجبرنا ربما دون شعور, لكي ننجر إلي خانة التشاؤم الذي يصيب الإنسان بالإحباط وفقدان الثقة بالمستقبل؟ ولكنه قطعا شعور ينبغي مقاومته وعدم السماح له بالتغلغل إلي الأعماق, لأن أي إنسان بلا أمل سيتحول إلي قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أية لحظة, وعندها يفقد بهجة الحياة فينزلق شيئا فشيئا إلي التشاؤم في تفسير كل ما يقع في محيطه, لدرجة أنه ينسي أن ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلي حال. الواقع إن أخطر شعور يصاحب أي أمة أو فرد فيها, هو أن يعلن يأسه أو عدم قدرته علي تغيير واقعه وإصلاحه, فيقرر الهروب من مواجهته, ظنا منه أنه يهرب إلي ملاذ آمن, أو علي الأقل أقل شقاء, لكنه سرعان ما يدرك أنه بني حساباته علي أوهام تتبدل كل يوم, إن لم يكن كل لحظة, ليبدأ بعدها لحظة الإحساس بألم مضاعف أكثر مما لو تفاءل بحياته ووثق بقدرته علي المواجهة وتحمل مسئولياته في السعي إلي غد أجمل. وبطبيعة الحال فإن حياة الأمم والشعوب, كحياة الإنسان, الذي ينبغي أن يستمر في التفاؤل فيها حتي آخر رمق, حتي يشعر بقيمة الحياة, فلا حياة بلا ألم, ولا حياة بلا أمل, فقط أولئك الذين ينظرون إلي الحياة من جانبها الأسود هم من يسارعون لإعلان استسلامهم, وينزعون لخيارات لا تجلب لهم إلا مزيدا من الألم والحسرة, في حين أنهم لو نظروا إلي الجانب الايجابي لكانت حياتهم أسعد وأجمل يحسدهم عليها الآخرون. صحيح أن الوضع في مصر ملئ بالعديد من الأحداث المؤلمة بداية من مقتل شيماء الصباغ و فقدان22 شابا أمام ستاد الدفاع الجوي مرورا بخطف المصريين في ليبيا,وحتي دماء جنودنا المسفوك يوميا بفعل إرهاب التنظيم الحقير. ولكن قصة نضال الشعوب وآمالها بمستقبل أفضل قصة لا نهاية لها, لأنها تتعلق بحب الشعوب إلي الحياة, ولا يوجد كالمصريين شعب يحب الحياة,ويستطيع أن يواجه آلامها وتعقيداتها بمزيد من الثقة والاطمئنان إلي غد أفضل, حيث ينعم الجميع بالحرية والكرامة والعيش الكريم. فقط أولئك الضعفاء, وفاقدو الثقة في أنفسهم وفي الناس وفي الله, هم الذين ينساقون لخيار التشاؤم وبث الشائعات المغرضة وتحطيم المعنويات, أما الشعوب الحية, فتؤمن دائما أنها قادرة علي التغيير والإصلاح مهما تعاظمت الأزمات وعلت تناقضاتها. أما الواثقون بأنفسهم وعدالة قضيتهم فيعضون بالنواجذ علي مواقفهم ومحاولاتهم التي لا تنتهي من أجل مستقبل تشع فيه قيم الحق والعدل والسعادة للجميع, وقدرنا يحتم علينا أن نختار طريق التفاؤل دائما. [email protected]