لدىَّ الكثير مما يمكن قوله عما جرى فى غزوة الصناديق وما جاء بعدها من التمكين ونفى الآخر. برغم كل ما يقال عن دعوات الحوار من الرئاسة، لكنه كلام موجه للغرب ولا علاقة له بنا. اكتشفت من رحلة قمت بها لنجع حمادى بدعوة من الحزب الديمقراطى الاجتماعى قبل الاستفتاء بيومين، ومن جلسة طويلة مع حنا جريس السياسى المتفائل، أنه بدلاً من لعن الظلام نحاول إضاءة شمعة. المسألة تفاؤل أم تشاؤم. استسلام للواقع أو تغييره للأفضل. ترك مصر والهجرة، فأرض الله واسعة، أو الارتباط بها ورفض تركها. وُلدنا فيها. وكابدنا حياتنا بها. وسيكون فى ترابها بإذن الله قبرنا عندما تحين الساعة. ما أسهل الرفض. وما أصعب رفض الرفض. الانسحاب كلمة سهلة القول. بسيطة التنفيذ. ولكن العمل صعب. شبعنا بكاء ولطماً وحزناً على مصير مصر. وعلى ما آل إليه حالها. وعلى ما ينتظرها العام القادم. لكن ما جدوى كل هذا؟ الرسالة وصلت. وإحساس الناس أنه ينقصهم شىء ما موجود فى الأعين وفى الشوارع. إن كل من يحمل على كتفيه رأساً يفهم. القادر على طرح أسئلته على الواقع لا يوافقهم على ما يقومون به. إنه ضدهم. ولكن الرفض الفردى كيف يتحول لرفضٍ نقوم به جميعاً. ينسى كل واحد ذاته. ويذوب فى الآخرين. ويصبح جزءاً منهم جميعاً. ليست البطولة أن أقول: لا. ولا استحالة قول نعم. ولكن القضية ماذا بعد لا. من تكن لديه شجاعة الرفض لا بد أن تكون عنده بصيرة البحث عن البديل لما يرفضه من سياسات، بشرط أن يكون ما يقوله مفهوماً من الناس، مدرَكاً من قِبَلِهم، مرتبطاً بمكونات حياتهم، بعيداً عن مناقشات النخبة والمثقفين. علماً بأن جدلهم قد يكون مطلوباً. ومن خلاله يمكن الحلم بمستقبل أفضل. لكن لا بد أن يفرق الإنسان بين ما نقوله فى جلساتنا وما يمكن أن نقوله للناس فى كل مكان نذهب إليه. كنت أُقَسِّم المصريين إلى متشائمين ومتفائلين. وكنت أضع نفسى فى السياق الأول. عندما التقيت بالروائى الفلسطينى إميل حبيبى فى حضور محمود درويش وسميح القاسم، وكنا نحضر عرضاً مسرحياً للنجم: عادل إمام. قال لى إميل حبيبى لا يوجد تشاؤم مطلق ولا تفاؤل كامل. أى تشاؤم لا بد أن يحمل بداخله جزءاً من التفاؤل. وأى تفاؤل لا بد وأن يكون من مكوناته قدر من التشاؤم. وبهذا توصل هو إلى التعبير الجميل التشاؤل. وجعل منه عنواناً لروايته البديعة: الوقائع الغريبة فى حياة سعيد أبى النحس المتشائل. لن أقول: وداعاً للتشاؤم. ولست من السذاجة لأصيح: مرحباً بالتفاؤل. والتشاؤل صيغة نظرية. ما أريد التوصل إليه قدر من الإيجابية يجعلنا عندما نرفض ما حولنا نفكر فى نفس اللحظة فى بديل له، قابل للتنفيذ.