أحمد يعقوب يوضح سر انخفاض الدولار لأقل من 50 جنيهًا.. فيديو    هل يساهم صندوق الإسكان الاجتماعي في توفير سكن بديل لمستأجري الإيجار القديم؟ مي عبد الحميد تجيب    وزير الخارجية يلتقى بالوفود المشاركة فى الاجتماع الوزارى الإفريقى الأوروبى    البحرين تعزى جمهورية مصر العربية فى ضحايا سقوط طائرة تدريب عسكرية    إبراهيم عبد الجواد: عبد الله السعيد خارج نهائى الكأس واقتربت نهاية مسيرته مع الزمالك    تعثر جديد في مفاوضات الزمالك مع عبد الله السعيد لتجديد عقده    الزمالك: نعمل على حل أزمة مستحقات جوزيه جوميز وديا    وفاة فلاح أثناء أداء صلاة المغرب في بني سويف    مصرع طفلتين غرقا بسوهاج بسبب لهوهما على حافة الترعة    لميس الحديدى عن أزمة بوسى شلبى وأبناء محمود عبد العزيز: الزواج بالأصل إشهار    ابن شقيق عبد الحليم حافظ: لدينا تسجيلات لحياة عمى تتعرض لقصته مع السندريلا    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    ماجد عبدالفتاح: نسعى لتعليق مشاركة إسرائيل في الجميعة العامة للأمم المتحدة    محمد عامر: الرياضة المصرية تنهار بفعل فاعل.. وصمت هاني أبو ريدة "مدان"    يبدأ غدًا.. «متحدث الإسكان» يكشف تفاصيل الطرح الجديد    291 عملاً خلال 57 عاماً.. رحلة «سمير غانم» الفنية بالأرقام    فرص عمل فى الأردن بمرتبات تصل إلى 22 ألف جنيه شهريا .. اعرف التفاصيل    لامين يامال يغازل أرقام ميسي التاريخية    جميلة وساحرة.. إطلالة لميس رديسي في مسابقة ملكة جمال العالم (صور)    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    فيديو- أمين الفتوى: قوامة الرجل مرتبطة بالمسؤولية المالية حتى لو كانت الزوجة أغنى منه    حكم الاحتفال بعيد الميلاد.. أمين الفتوى: احتفل بما يفرحك واجعله فرصة للتأمل في حياتك مع الله    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    الحليب قد يسبب الصداع للبعض- إليك السبب    نقيب المحامين يحذر من القرارات الفردية في التصعيد بشأن أزمة الرسوم القضائية    أحمد فارس: التحالف الإعلامي المصري الصيني ضرورة لصناعة مستقبل مشترك أكثر تأثيرًا وتوازنًا    جولة تفقدية لوزير السياحة والآثار بدير أبومينا ومارمينا بالإسكندرية    الخطيب يقود حملة لإزالة التعديات على أملاك الدولة بالقليوبية    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة للمنطقة الغربية    البابا تواضروس ووزير السياحة ومحافظ الإسكندرية ومديرة اليونسكو يتفقدون مشروع حماية منطقة أبو مينا الأثرية    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية رشوة وزارة الري    بروتوكول تعاون بين جامعة جنوب الوادي وهيئة تنمية الصعيد    القائم بأعمال سفير الهند: هجوم «بهالجام» عمل وحشي.. وعملية «سيندور» استهدفت الإرهابيين    تغيير ملعب نهائي كأس مصر للسيدات بين الأهلي ووادي دجلة (مستند)    غدا.. طرح الجزء الجديد من فيلم "مهمة مستحيلة" في دور العرض المصرية    «لسه بدري عليه».. محمد رمضان يعلن موعد طرح أغنيته الجديدة    الجيش الصومالى يشن عملية عسكرية فى محافظة هيران    شروع في قتل عامل بسلاح أبيض بحدائق الأهرام    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    وفاة عجوز بآلة حادة على يد ابنها في قنا    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    خالد عبدالغفار يبحث تعزيز التعاون مع وزيري صحة لاتفيا وأوكرانيا    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    حكومة بلجيكا تتفق على موقفها بشأن الوضع في قطاع غزة    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    استمارة التقدم على وظائف المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسى 2026    «السجيني» يطالب الحكومة بالاستماع إلى رؤية النواب حول ترسيم الحدود الإدارية للمحافظات    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمعة مصر علي المحك في حوادث الطرق

مناقشة حامية الوطيس دارت رحاها في غرفة طاقم المعدين المسئولين عن أحد برامج ال توك شو الصباحية التي يبثها التليفزيون المصري‏.‏ جاءت صرختها مدوية‏:‏ مين اللي حط خبر الأتوبيس السياحي في استعراض الأخبار
لم أفهم سبب صدمة المعدة التي لم يكن في صدمتها أي ادعاء أو رياء‏.‏ كانت صدمة حقيقية مشوبة بمعالم التنديد وملامح الشجب والإدانة‏.‏
وردت زميلتها‏:‏ وإيه يعني؟‏!‏ مش حادثة حصلت؟ يعني نعمل نفسنا مش واخدين بالنا؟ فاستكملت المعدة الغاضبة الثائرة شرح وجهة نظرها‏:‏ لما نحط خبر زي ده في مقدمة البرامج الاخبارية نكون بنضر سمعة مصر السياحية‏.‏ ما كل البلاد بيحصل فيها حوادث‏.‏ وإيه يعني؟ حادثة مش معناها آخر الدنيا‏.‏
ودون جدوي‏,‏ زميلتها تحاول أن تشرح لها أن الموضوع لا علاقة له بالسمعة‏,‏ ولكنه خبر ومهم‏.‏ لكن هيهات‏!‏ لقد اعتبرت المعدة أن الخبر يضر بسمعة الوطن‏,‏ ولا يصح التركيز عليه من قريب أو بعيد‏.‏
سمعة مصر
والحقيقة أن الحوار الذي دار أمامي وأنا أتعذب كي أسيطر علي لساني حتي لا أتهم بقلة الذوق أو التدخل فيما لا يعنيني قلب علي الكثير من المواجع‏.‏ فقد تذكرت كل التهم التي كانت توجه لكل من تسول له نفسه أن ينتقد ظاهرة ما أو يسخر من تهاون هنا أو يهاجم تقصيرا هناك بأنه قلة مندسة أو متآمر حقير وأن مثل هذه الأفعال تشوه سمعة مصر وتضر بمصالحها‏,‏ وأن من يقبل علي مثل هذا الفعل لابد أن يكون عدوا شرسا أو زنديقا متخفيا أو متآمرا متحذلقا‏.‏
قلت لنفسي‏:‏ إذن هناك جيل شرب من مياه الإيحاء بوجود مؤامرة كلما تعرض أحدهم لسلبية أو انتقد تصرفا‏.‏ وهذا الجيل الشاب بينه من أصبح يؤمن بأنه لا يجب إلا ذكر الايجابيات وعد الجوانب المضيئة للوطن طالما الحديث يتم جهرا‏.‏ أما إذا كان الكلام في السر‏,‏ فيمكنك حينئذ أن تقول ما تشاء‏,‏ وتسب وتلعن‏,‏ بل وترفت وزراء وتعين آخرين‏,‏ وتنعت كل مسئول كبير أو صغير بأقبح النعوت وأفظع الأوصاف‏.‏
وحين عدت إلي الحادث الذي وقع علي طريق أبوسمبل السياحي والذي يلقبه مرتادوه بطريق الموت وجدت أنه بالطبع يستحق أن يكون الموضوع الرئيسي في أي نشرة أخبار أو مانشيت رئيسي في ذلك اليوم‏,‏ وذلك لأسباب عدة‏,‏ فالحادث بالفعل جسيم‏.‏ ودول العالم المتحضر تعتبر الحوادث مثل تلك خبرا يستحق الصدارة‏,‏ ليس للتشهير بنفسها‏,‏ أو لغسل نشيرها القذر أمام الآخرين‏,‏ ولكن لأن قيمة الانسان عالية جدا‏.‏ وبعيدا عن قيمة الإنسان‏,‏ والدول المتحضرة وغير المتحضرة‏,‏ أجد مواراة كارثة مصر المرورية والسلامة المفتقدة علي الطرق أمرا مستعصيا علي الفهم‏.‏
فمصر‏,‏ وللأسف الشديد‏,‏ مصنفة ضمن أكثر دول العالم خطورة فيما يختص بسلامة الطرق‏.‏ وبالاضافة إلي الأرقام والإحصاءات‏,‏ يمكن للمهتمين أن يطالعوا الأدلة السياحية المختلفة والتي عادة يصطحبها السياح معهم لدي زيارة الدول المختلفة حيث الكثير منها يحذر تحذيرا شديدا من جنون القيادة وغياب قوانين المرور التام في مصر‏.‏ ويمكن لمن يرغب أن يطلع علي شتي مواقع الانترنت التي تسمح بالتفاعل والتي تعني بالسياحة‏,‏ وسيجد أن اسئلة الأجانب الذين يفكرون في القيام برحلات سياحية إلي مصر تدور في البدء حول الأمن والأمان في مصر‏,‏ وذلك لما يتنامي إلي مسامعهم حول الإرهاب والتطرف والتشدد‏,‏ وهي الاسئلة التي عادة ما تنتهي بتحذير قوي اللهجة من القيادة وعبور الشوارع حيث الفوضي غير الخلاقة وقانون الغاب المسيطر علي الجميع و الغياب الكلي لأبسط قواعد المرور‏.‏
وإذا أضفنا إلي كل ذلك حالة الطرق المزرية‏,‏ ولا أتحدث بالضرورة عن الطرق السريعة‏,‏ ولكن ألا يذهب أحد إلي شوارع مدينة نصر مثلا؟‏!‏ وياسلام لو قاده حظه العثر للذهاب هناك ليلا حيث المطبات المحلية الصنع والحفر والكمائن التي لا تظهر لقائد السيارة إلا بعد الوقوع فيها‏.‏ ولماذا نذهب بعيدا‏,‏ فكل من يرتاد كوبري‏6‏ أكتوبر يعلم جيدا عددا معروفا من الحفر العنيفة الموجودة علي الكوبري‏,‏ ولعل أشهرها تلك الموجودة في أقصي اليمين في الناحية القادمة من مصر الجديدة والمتحهة إلي التحرير‏,‏ وتحديدا عند التقائها مع الجهة الصاعدة إلي الكوبري من ميدان رمسيس‏.‏ وفي هذه البؤرة تضطر السيارات التي تفاجأ بهذه البؤرة إلي الانحراف يمينا فجأة أو الوقوع فيها ومن ثم بطء السيارة المفاجئ‏,‏ وكلا التصرفين كثيرا ما يؤدي إلي حوادث أو علي الأقل شتائم وسباب متبادلين بين قادة السيارات‏.‏
حوادث السير في مصر صارت جزءا لا يتجزأ من واقعنا اليومي‏,‏ وهي لا تؤثر سلبا فقط علي حياة الناس وسلامتهم‏,‏ ولكنها بالطبع تنعكس علي حركة السياحة القادمة إلي مصر‏,‏ والتي لا تتحمل مزيدا من الضرر‏,‏ ويكفينا ما فعلنا بالحياة البحرية في شرم الشيخ‏,‏ وهجوم أسماك القرش علي ممارسي رياضتي الغوص والسباحة‏,‏ ونحن بالطبع لا نحتاج إلي المزيد من تشويه السمعة‏.‏ وبالمناسبة الإساءة إلي السمعة تحدث بالتهاون والإهمال والتبلد‏,‏ وليس بنشر أخبارها‏!‏
يوم في حياة مواطن
دائما ما تجد فكرة تبادل حياة البشر بينهم وبين بعضهم الكثير من الاهتمام‏,‏ ولا أقول القبول‏.‏ وهي ليست فكرة جديدة‏,‏ بل تطرق إليها الكثير من القصص والروايات والأفلام والمسرحيات‏.‏ ففي رواية الأمير والفقير للكاتب الأمريكي مارك توين‏,‏ تبادل كل من الأمير الصغير والشحاذ الفقير حياتيهما لعدد من الايام‏.‏ وهكذا ينتقل الصغير الفقير الذي يجبره أبوه علي التسول ويحرمه من الأكل واللعب ليعيش عيشة الأمراء والملوك في قصر مهيب‏,‏ وينتقل الأمير الذي لم ير في حياته سوي الخدم والحشم‏,‏ والأطعمة الفاخرة والألعاب المغرية المتاحة في كل وقت ومكان‏,‏ والذي يتحدث لغات عدة للعيش في منزل الصبي الفقير الذي يضربه أبوه يوميا حتي يجتهد في التسول‏.‏
وعلي الرغم من سعادة كل منهما في بادئ الأمر بالتجربة التي تحمل الكثير من الإثارة‏,‏ إلا أنه سرعان ما يحن كل منهما إلي حياته لأسباب مختلفة‏.‏ ورغم عودة كل منهما من حيث أتي‏,‏ إلا أنهما علي الأقل عرفا من خلال تبادل الأدوار ما يمر به الآخر في حياته اليومية من أحزان وأفراح‏.‏ فالأمير بات يعرف أكثر عن رعيته بدلا من الاكتفاء بما يرد إليه من أخبار منتقاة‏,‏ والصبي الفقير هو الآخر بات يعرف أن
الأمير ليس مجرد شخص يتمتع بحياته طولا وعرضا‏,‏ ولكن لديه ما يقلق مضجعه هو الآخر‏.‏
تذكرت هذه الرواية التي كتبها توين والتي نشرت للمرة الأولي في عام‏1881‏ بعد ما سرح بي الخيال بعيدا‏,‏ فماذا يحدث ان اتفق أحد الوزراء مع مواطن بسيط علي أن يتبادلا الأدوار لمدة يومين او ثلاثة؟ ولا أقول لكم‏,‏ خليها ليوم واحد فقط رفقا بالوزير‏,‏ شرط الا يكون يوم جمعة فيتحجج معاليه بالحاجة إلي النوم والراحة‏,‏ وأن يقوم معاليه بكل ما يقوم به المواطن في يومه العادي‏.‏
وليكن المواطن المحظوظ هو الأستاذ حسين المحاسب في احدي الشركات وهو زوج مدام سناء المهندسة في شركة قطاع عام‏,‏ ووالد كل من بهاء‏(17‏ سنة طالب في الثانوية العامة‏)‏ وآلاء‏(14‏ عاما طالبة في الاعدادية‏)‏ وشهد‏(‏ خمسة أعوام كي جي وان‏).‏
الاستاذ حسين والذي سيقوم الوزير بدوره يستيقظ في الخامسة صباحا حتي يضمن الحصول علي الخبزقبل ذهاب الأولاد إلي المدارس ينزل وهو ما زال مرتديا البيجامة وهو نصف نائم‏,‏ ويتوجه إلي أول الشارع علي بعد نحو‏500‏ متر حيث الفرن‏,‏ يقف في الطابور ليشتري الأرغفة المطلوبة وفي أثناء عودته يشم رائحة الخبز ال‏15‏ قطة التي تتجمهر حول صندوق القمامة الضخم القابع في منتصف الشارع‏,‏ فتحاول تقفي اثر الاستاذ حسين لعله يحمل مع الخبز الفواح شيئا من الغموس ولكن القطط سرعان ماتتأكد من مسألة الغموس ولكن هذه أكذوبة كبري‏,‏ فتعود إلي مواقعها في صندوق القمامة الذي يحاول الاستاذ حسين في رحلته اليومية ان يسد أنفه أثناء مروره في محيطه حتي لا يتقيأ علي معدة فاضية‏.‏ يعود إلي البيت‏,‏ ليجد زوجته مازالت تصرخ في الأولاد الذين يتسكعون ويتلكأون املا في ان يتأخروا عن المدرسة ويتعرضوا للطرد‏,‏ تنجح الأم مع آلاء وشهد‏,‏ ويجلس الاثنان لتناول الإفطار‏,‏ أما البكري بهاء فحجته قوية الفصل بيكون فاضي‏,‏ وما فيش مدرسين‏,‏ وإذا دخل مدرس بيقول لنا‏:‏ يا تتخمدوا ياتروحوا في‏60‏ داهية مش ناقص وجع دماغ‏,‏ وبعدين المدرسة مالهاش لازمة وبتضيع الوقت الآن الدروس والسنتر هما الأهم‏.‏
يسمع وزيرنا الهمام هذه الكلمات‏,‏ فيتنهد فين أيام زمان؟ أيام ما كان فيه مدرسة ومدرس وثواب وعقاب؟ أيامها الدرس الخصوصي هذا كان وصمة عار‏,‏ وهو سمة من سمات التلميذ الخائب عديم الفهم يتحسس الوزير جيبه بعد أن تخبره زوجته مدام سناء بأن الولد بهاء لم يدفع ثمن درس الفيزياء الأسبوع الماضي‏,‏ ولو لم يدفعه في حصة اليوم قد يفقد مكانه خصوصا ان هناك ويتينج ليست اي قائمة انتظار طويلة جدا لهذه المادة الحيوية‏,‏ يجد جيبه شبه خاو‏!‏ يقول الوزير بينه وبين نفسه يالهوي‏!‏ هأعمل إيه دلوقتي؟‏!‏ يدس يده في جيبه مجددا عله يجد أي ورقة بخمسة جنيهات مدسوسة هنا أو هناك‏,‏ فيجد ورقة مثنية‏,‏ وما أن يفتحها حتي يجد المواجع وقد تألبت عليه‏,‏ فالورقة ما هي إلا مفردات المرتب من مرتب اساسي وحوافز وبدلات‏,‏ إلي آخر المسميات التي تجمع في النهاية لتصل إلي‏1052‏ جنيها ونصف الجنيه‏,‏ هو يعمل في هذه الشركة منذ ما يزيد علي‏20‏ عاما‏,‏ وراتبه الذي تضاعف مرات عدة كما أكد وزير التنمية الإدارية مرارا وتكرارا يصل به إلي اليوم ال‏13‏ من الشهر ويصاب بسكتة دماغية‏.‏
ورغم أنه يشعر انه قد نزل درجتين وربما ثلاثا علي سلم الهرم الاجتماعي والاقتصادي‏,‏ وانه لم يتبق امامه سوي درجة وينزلق وأسرته إلي خط الفقر الذي قرأ عنه وسمع به من وزير التنمية الاقتصادية حتي ظن ان الفقر قد ولي وأذبر‏,‏ وأنه وأمثاله من المفترض ان يقبلوا أياديهم وجها وظهرا إذ أن الألف وشوية جنيه التي يتقاضاها تؤهله لأن يكون من علية القوم‏,‏ لكن إزاي هذه هي المشكلة التي احتار في حلها‏.‏
ورغم أن الاستاذ حسين يمتلك سيارة فيورا موديل‏1984,‏ إلا أنه يعتبر تزويدها بالبنزين كابوسا مزريا‏,‏ وهو يفكر احيانا في تزويدها بالغاز عله يكون أرخص‏,‏ لكن يخشي ان يدفع كلفة التجهيز‏,‏ ثم تقرر الحكومة فجأة ان ترفع الدعم عن الغاز فيجد نفسه في حيص بيص‏.‏
ورغم ان السيارة تقوم بمهام قتالية بين توصيل الأولاد للمدارس‏,‏ ثم توصيل زوجته لعملها‏,‏ ثم التوجه إلي عمله‏,‏ ثم إعادة الكرة في فترة بعد الظهر لتستريح ساعتين قبل ان تبدأ دورة اللف والدوران علي الدروس الخصوصية‏,‏ إلا أنه يشعر بأنها عبء ثقيل جاثم علي صدره‏,‏ فتكاليفها تشكل عبئا حقيقيا عليه‏,‏ حتي أنه يضطر احيانا ان يتعامل مع الاتوبيسات العامة والميكروباصات بدلا منها حتي يفرجها ربنا‏,‏ وما أدراك ما الأتوبيسات العامة‏!‏ أما الميكروباصات فكفاك الله شرها‏,‏ وعلي معاليه ان يتذكر اثناء قيادته لسيارة الاستاذ حسين علي المطبات الوعرة وفي حلبة سيرك عبد المنعم رياض او في معترك ميدان الجيزة ان يتذكر ان زميله وزير البترول يري ان أصحاب السيارات الملاكي من الأغنياء امثاله يستحوذون علي جزء كبير من الدعم الذي تستقطعه الدولة بصعوبة شديدة لصالح الفقراء‏.‏
وأغلب الظن ان معالي الوزير‏,‏ مهما بلغت درجة استمتاعه بتجربة حياة الاستاذ حسين‏,‏ لن يتمكن من إكمال اليوم حتي نهايته‏,‏ فيوم في حياة مواطن عادي كفيل بأن يهرع فعاليه إلي مكتبه او فيلته او حتي سيارته التي تمتص المطبات وتبتلع الاشارات وبالطبع لا تنقض علي راتبه الذي رغم زيادته الفتاكة يكفيه بالكاد هو ومدام سناء وبهاء وآلاء وشهد وسيارته التي انتهي عمرها الافتراضي قبل أن يعتلي معاليه كرسي الوزارة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.