استغربت كثيرا للدعوات المحمومة التي انطلقت من الخارج تشجع الشباب المصري علي الحرق والتفجير والتدمير في الذكري الرابعة لثورة25 يناير.. وعادة ما تتكرر هذه الدعوات كل عام.. غير مبالية بالدماء والخسائر المادية والبشرية التي تصيب أبناء وتلاميذ هؤلاء من جهة أو الشرطة والجيش والعوام المصريين من جهة أخري.. وكأن هذه الدماء لا ثمن لها ولا وزن لها في الحياة ولا قدر لها في الشريعة.. وكأن مصر تحتاج إلي ثورة كل عدة أشهر وكل مناسبة تراق فيها الدماء وتحرق فيها المباني والأنفس.. حتي يسعد هؤلاء وهؤلاء. تعجبت كثيرا للدعوات التي انطلقت من الخارج تشجع وتؤيد الشباب المتدين وتدعوه لمزيد من الحرق وتفجير كابلات الكهرباء وتدمير ما يستطيعه من قطارات وترام ومترو وما شابهه.. ألم يدرك هؤلاء أن مصر أحوج ما تكون إلي دعوة للمصالحة وحقن الدماء بين الطرفين.. أو دعوة لنبذ العنف والإرهاب ووقف التقاتل والتشاتم.. بدلا من الدعوة للحرب والنزال. فهل يريد هؤلاء حرقا أكثر مما حرق.. وهل تبقي شيء في بلادنا لم يحرق.. فقد حرقت الكنائس والمساجد والأحزاب وأقسام الشرطة والمحافظات والنيابات والمحاكم والمباني الحكومية والمتاحف والمدارس بل والضباط في الأقسام والشباب المتدين في رابعة.. وحرقت معها قلوب المصريين.. فهل نحتاج إلي حرائق جديدة أم إلي رجال إطفاء لحرائق المباني والقلوب والنفوس؟!. وهل بقيت دماء مصرية لم تنزف بعد حتي نريقها في كل ذكري لثورة25 يناير أو غيرها.. أين الدعاة لحقن الدماء ولم الشمل.. ومن يهتف في الآذان والقلوب بفاصفح الصفح الجميل أي الذي لا عتاب فيه.. وأن يصدح في الضمائر ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. إن مصر لا تحتاج لدعوات الحرب بقدر حاجتها لدعوات السلام والتصالح والتغافر.. مع العمل والبناء ومحاربة الفساد والاستبداد والرشوة وتوريث الوظائف. إن هذه الدعوات لن توجد المفقود من الشريعة ولن تحافظ علي الموجود منها.. ولكنها ستضيع الموجود ولا تأتي بالمفقود.. إنها ستذبح الإسلام ودعوته بسكين العنف والدماء.. ولن تعيد مرسي إلي الحكم الذي ما زال البعض يرفع صوره.. ولن تعيد عجلة الزمان للخلف.. وهل نهدم الدولة والنظام كل بضعة أشهر حتي يستريح هؤلاء وهؤلاء.. إن الإنسان العادي لا يستطيع الانتقال من شقته إلي أخري إلا كل عشرين عاما ويكون ذلك شيئا عسيرا.. فهل نهدم كل بضعة أشهر نظاما لنحل آخر حتي لو اقتنع البعض أنه أتقي. لقد تعلمت من حياتي الصعبة والمملوءة بالتجارب أنه لن يسمع صوت الأذان حي علي الفلاح إلا بعد خمود صوت التفجيرات والرصاص.. فصوت المتفجرات بجبروته يغطي علي صوت الأذان الرقيق. وهل ستخرج هذه الدعوات السجناء أم ستزيد معاناتهم وعددهم وعنتهم؟ إن ممارسة العنف والحرق من بعض الإسلاميين ستزيد الدولة شدة وبأسا وحنقا وغيظا وغلظة وشدة ولن تقابل بالرحمة والعفو والتسامح.. فالدول كل الدول تصاب بالوسوسة الأمنية والشك في كل شيء في حالة الصدام والحرب.. ويهدأ بالها ويعود إليها عقلها وحكمتها ورحمتها إذا هدأت الأحوال وساد الأمن والأمان.. ووقتها تتحسن الأحوال في السجون ويبدأ الإفراج تتلوه الأفراح. وقد جربنا ذلك قبل مبادرة منع العنف وبعدها.. فقبلها في وقت الصراع كانت السجون المصرية كالنار الموقدة أما بعدها فأصبحت أفضل سجون المنطقة العربية.. حتي إن أكثر من ألف سجين ومعتقل زاروا بيوتهم. وبعضهم كان محكوما عليه بالإعدام في سابقة لم تحدث في تاريخ مصر من قبل. قد تعلمت أنه يمكن للمتشددين والمتعصبين والمتهورين أن يخرجوا الدولة عن عقلها وحكمتها, ويمكن للحكماء والعقلاء أن يعيدوها إلي حكمتها وعقلها ورحمتها. فإشعال الحروب والصراعات يحسنه كل أحمق.. وإطفاء جذوتها ونشر السلام صعب وشاق ويحتاج لمن يبيع جاهه ابتغاء مرضاة الله. فإدخال الشباب إلي السجون أو القبور سهل يحسنه كل أحمق أما إخراجهم من السجون فصعب وشاق.. وصناعة الحياة لا يحسنها إلا القليل أما صناعة الموت في غير ميدان فيحسنها أكثر الحمقي. وقد تعلمت أن القائد العظيم هو الذي لا يدخل أبناءه أو شعبه في معارك عبثية لا طائل من ورائها.. وأعظم منه الذي يخرجهم من السجون. أما القائد الفاشل فهو الذي يدخل الآلاف إلي السجون أو القبور ويملأ البلاد بالثكالي والأرامل واليتامي. إن مصر لن يصلح حالها طالما أن دعوات الانتقام والثأر والحرب تغطي علي تراتيل السلام ودعوات الحب والعفو والصفح.. تلك الدعوات التي تملأ القرآن والأناجيل. والمصيبة أن أكثر الذين يدعون للحرب لا يحسنونها ولا تطالهم شرورها.. فهم علي الأسرة متكئون وفي الفنادق مرفهون وعلي القنوات يمرحون في الوقت الذي يصلي فيه الشباب كأس السجون والقبور. أما الذين يدعون للحرب من خارج مصر فيبيعون دماء الشباب بثمن بخس وهم في مأمن وسعة عيش.. ويتلاعبون بجماجمهم وآهات جرحاهم ويتم أطفالهم وترمل نسائهم ليصنعوا مجدا كاذبا. إن القائد العظيم هو الذي يرحم الناس ولا يوقعهم في حرج ولا يكلفهم ما لا يطيقونه.. إن أكثرنا وللأسف يحسن صنع وفقه الموت ولا يحسن صنع الحياة الجميلة الطيبة الودودة التي تحب الله وتحب خلق الله.. وتحب العمل الصالح وتعمير الكون.