انطلقت دعوات كثيرة من خارج مصر تدعو الشباب إلى ثورة إسلامية مسلحة يوم 28 نوفمبر الحالى تودع السلمية التى لم تحقق شيئاً.. ولا أدرى أين السلمية من الطرفين فى المشهد المصرى كله.. فالمتفجرات تزأر والرصاص يدوى، والخرطوش والغازات فى المقابل تنطلق فى أرجاء مصر منذ أكثر من عام.. وقد تزعم هذه الدعوة الجبهة السلفية وبعض قادة التيار الإسلامى فى خارج مصر. وقد فكرت فى أمر هذه الدعوة وسر انطلاقها بكثافة فى هذه الفترة العصيبة فلم أصل إلى سر وحكمة انطلاقها ولا توقيتها.. ولا علة تبنى الجبهة السلفية بالذات لها.. ولكن يمكننى أن أعلق على هذه الدعوة المريبة بالآتى: 1- انطلاق الدعوة من الجبهة السلفية جعل هناك خلطاً كبيراً لدى العوام وبعض الخواص بين هذه الجبهة والدعوات السلفية الأخرى مثل الدعوة السلفية السكندرية التى يتبعها حزب النور، والدعاة السلفيين المستقلين أمثال الشيخ محمد حسان والحوينى وغيرهما.. وهذا أضر بهذه الدعوات فقد استمعت إلى حوار تليفزيونى كان الضيف والمذيع معاً يخلطون بين هذه المسميات خلطاً معيباً.. لا يليق ممن يتصدر الشاشة الرسمية للدولة.. والحقيقة أن اسم السلفية لحق به غش وخلط كبير منذ فترة.. فقد استلب التكفيريون هذا الاسم وكانوا يسمون مجموعات سيناء فى بداية أمرها «السلفية الجهادية». وقد اختلف الصحابة والتابعون كثيراً فى الفقه والفكر والحياة ولم يكفر بعضهم بعضاً.. ولم يفسق بعضهم بعضاً.. وكانوا يعتبرون أن الخلاف الفكرى والفقهى بينهم هو موضع ثراء للشريعة.. وسعة للأمة.. ورحمة للناس وتيسيراً عليهم لاختلاف المجتمعات والبيئات والعادات. 2- الجبهة السلفية قليلة الانتشار فى مصر وتتركز فى بعض مدن وقرى الدقهلية وليست لديها قدرة على الفعاليات التى تدعو إليها جماهيرياً أو حتى إعلامياً وعسكرياً.. ولا بد أن يقف وراء هذه الدعوة من هم أكبر منها، فرغم عضوية الجبهة فى تحالف دعم الشرعية فإنها لم تقدم أية فعاليات متميزة على الأرض تؤهلها لقيادة أو الدعوة لمثل هذا الحراك الخطير والمسلح.. وقد تزامن مع هذه الدعوة دعوات أخرى كثيرة جاءت بعدها بفترة.. بل إن قيادات ثورية مصرية معروفة تداخلت أخيراًً على الخط.. كما أن هذه الدعوة حظيت أخيراًً بموافقة شبه رسمية من جماعة الإخوان.. وحسناً صنعت قيادة الجماعة الإسلامية بداخل مصر حينما نأت بنفسها عن هذه الدعوة حتى لا تحمل أبناءها عبء أحاديث غير مسئولة لبعض قادتها فى الخارج.. كانت كفيلة بتوريط الجماعة الإسلامية كلها.. دون أن يكون لها ناقة أو جمل فى الموضوع. 3- إن دعوة الجبهة السلفية إلى ثورة إسلامية مسلحة أدى أول ما أدى إلى القبض على القيادات القليلة للجبهة الموجودين فى مصر.. فهل تراهن الجبهة ومن معها فى هذه الدعوة على مجموعات سرية مسلحة غير معروفة تربك مصر حكومة وشعباً.. أم تراهن على مشاركات واسعة من بعض القوى الإسلامية الأخرى التى لم تعلن صراحة عن مشاركتها حتى اليوم.. أو تنظر نتائج اليوم الأول فى هذه الثورة لتوضح موقفها.. أو تعمد إلى تجنيد بعض البلطجية وأطفال الشوارع للمساعدة فى أعمال المولوتوف والحرق.. والتى تحتاج إلى قلب ميت.. وضمير أكثر موتاً.. أم ماذا؟!.. وما موقف حلفاء أنصار بيت المقدس فى الداخل والخارج من هذه الثورة؟ 4- هل ستعيد هذه الثورة المسلحة المفقود من الشريعة الإسلامية فى مصر؟ وهل ستحافظ على الموجود منها؟.. وهل ستعطى قبلة الحياة للدعوة الإسلامية التى تعانى من موت إكلينيكى أم أنها ستفعل العكس؟ 5- هل ستخرج هذه الثورة المسلحة الآلاف من السجون أم تحشر معهم المئات؟.. وقد تعطل الإفراج عن مئات آخرين؟.. وتدفع الدولة دفعاً إلى التشدد مع السجناء وإساءة معاملتهم أكثر وأكثر.. والخوف من علاجهم فى المستشفيات الخارجية أو الإفراج الصحى عن بعضهم حتى لو كانت حالتهم سيئة ومتردية. 6- لقد تعلمت من حياتى الطويلة أن المعاملة فى السجون المصرية هى انعكاس لحالة الصدام أو الوفاق ودرجته بين الدولة والحركة الإسلامية. 7- وتعلمت أيضاًً أن الدول جميعاً يمكن أن تخرجها عن عقلها وحكمتها.. ويمكن أيضاً أن تعيد إليها العقل والحكمة بل والرحمة أيضاًً. 8- وتعلمت أيضاًً أن على القائد الحكيم ألا يزج بأبنائه وأبناء الوطن فى معارك خاسرة أو يشعل حرباً لا يستطيع إطفاءها. 9- وقد خلصت من حياتى أنه لن يسمع صوت الأذان «حى على الصلاة حى على الفلاح» طالما طغى على هذا الصوت الرقيق صوت التفجيرات والرصاص وبكاء الثكالى ونواح الأرامل ودعوات الانتقام. 10- وأن الدعوة إلى الله ستموت إذا تقاتل الناس وتشاتموا وعمت الكراهية.. فمن أراد الخير فلا يملأ الأرض دماء وقتلاً وجرحاً. 11- الدعوة للثورة الإسلامية المسلحة لن ترفع ظلماً ولن تحقن دماً.. ولن تعيد حقاً مهضوماً.. ولن تمنع السجون من فتح ذراعيها للشباب المتدين. 12- وهى دعوة فتنة أمن أصحابها وأسرهم فى الخارج ولم يراقبوا فى أبنائهم وأبناء الجيش والشرطة فى مصر إلاً ولا ذمة.. فباعوا دماءهم.. وتلاعبوا بجماجمهم وأرادوا أن يصنعوا مجداً كاذباً وخادعاً على أنّات الجرحى ودموع الأرامل من أمهات الشباب من الجيش أو الشرطة أو الشباب المتدين أو العوام.